قال الله عز وجل: ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين، خروجا عن الجماعة ومسارعة إلى الفتنة، وإيثارا للفرقة، وتشتيتا للكلمة، وإظهارا لموالاة من قطع الله عنه الموالاة، وبتر منه العصمة وأخرجه من الملة، وأوجب عليه اللعنة، وتعظيما لمن صغر الله حقه، وأوهن أمره وأضعف ركنه من بني أمية، الشجرة الملعونة، ومخالفة لمن استنقدهم الله الهلكة وأسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت البركة والرحمة. قال الله عز وجل: يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك، ورأى ترك إنكاره حرجا عليه في الدين، وفسادا لمن قلده الله أمره من المسلمين، وإهمالا لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين أو تبصير الجاهلين، وإقامة الحجة على الشاكين، وبسط اليد على العاندين. وأمير المؤمنين يرجع إليكم معشر الناس بأن الله عز وجل لما ابتعث محمدا بدينه وأمره أن يصدع بأمره، بدأ بأهله وعشيرته فدعاهم إلى ربه وأنذرهم وبشرهم ونصح لهم وأرشدهم، فكان من استجاب له وصدق قوله واتبع أمره نفر يسير من بني أبيه، من بين مؤمن بما أتى به من ربه، وبين ناصر له وإن لم يتبع دينه، إعزازا له وإشفاقا عليه لماضي علم الله فيمن اختار منهم، ونفذت مشيته فيما استودعه إياه من خلافته، وإرث نبيه فمؤمنهم مجاهد بنصرته وحميته، يدفعون من نابذه وينهرون من عارضه وعانده ويتوثقون له ممن كاتفه وعاضده ويبايعون له من سمح بنصرته ويتجسون له أخبار أعدائه، ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين، حتى بلغ المدى وحان وقت الاهتداء فدخلوا في دين الله وطاعته، وتصديق رسوله والإيمان به بأثبت بصيرة وأحسن هدى ورغبة، فجعلهم الله أهل بيت الرحمة