الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٤٠
تصديق الناس به واتباع منهجه تكليفا على كل نفس، لأن استقامة موقف الأمة منه هو من جملة الظروف الموضوعية التي يجب توفرها لكي يمارس وظائفه كاملة، سواء كان قبل ذلك ظاهرا أم محتجبا.
على أن احتجاب الإمام (عليه السلام) في ذاته كان من نتائج ومظاهر معصية الناس لله في شأنه، وتماديهم فيه، وقتل الأئمة الواحد تلو الآخر، إلى أن وصل الوقت إليه (عليه السلام)، حيث احتبسوا أباه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ووضعوا الرقابة عليه وعلى نسائه ترقبا لأي حامل منهن للقضاء على الوليد حين ولادته، ثم ولادته في هذه الظروف وحجب أبيه له عن عموم الناس دون خاصة الخاصة حفاظا عليه من الظالمين، ثم افتضاح أمره للسلطة وبلوغ خبره عند وفاة أبيه (عليه السلام) وتقدمه للصلاة عليه ووشاية عمه به، وإرسال السلطان في طلبه للقبض عليه، كله كان من الأسباب الموضوعية ليس فقط لإحاطة ولادته (عليه السلام) بالتستر من قبل، كما في ولادة موسى (عليه السلام)، بل أيضا في حجب الله تعالى له (عليه السلام) حين بات ظهوره سببا مؤكدا للقضاء عليه، كما في حجبه عيسى (عليه السلام) برفعه إليه في ظروف مشابهة ولأهداف متطابقة مرتبطة بالدور المرسوم لهما في قضاء الله تعالى.
والله تعالى يعلم منذ الأزل بأن هذه الظروف التي تفرض موضوعيا غيبة الإمام ستكون للإمام الثاني عشر (عليه السلام)، لذلك جعل في قضائه الأئمة (عليهم السلام) بهذا العدد، وقضى بالعمر المديد له، كمثل عمر نوح والخضر وعيسى عليهم السلام، وذلك لأن غيبة الإمام المفروضة
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»