الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٣٩
غير جذريا في مسار الأمة، وفي حجم التغيرات الحضارية المعقودة على الرسالة الإلهية الخاتمة، لكنه مع ذلك لم يلغ حجة الإمام على الناس (1)، فهو ما دام حيا موجودا، فإنه بوجوده يمثل دعوة دائمة إلى الناس إلى اتباعه ليأمنوا من الضلال، ولا حجة لهم إن هم ضلوا بمخالفته، وهذا يسري على الإمام ظاهرا أو محتجبا (2) لأن حاله وهو محتجب مع العلم بوجوده، هي كتعطل وظائفه مع ظهوره، ولأن اتباعه في أي حال لا يقتضي رؤيته ولا المكث بقربه، بل يكون باتباع منهجه الذي يذيعه العدول من أصحابه، فما الغيبة إلا بمثابة تعطل بعض وظائفه نتيجة معصية الناس لله في شأنه، والأمر في هذا التعطل سيان في الغيبة والظهور، ومجرد وجوده وبمعزل عن مدى تمكنه من وظائفه، وبمعزل عن حجم ظهوره واحتجابه هو حجة في ذاته على الناس، ما دام أن وجوده وحقه عليهم يطرق أسماعهم، وأن منهجه متاح لهم ماثل أمامهم، وهم يعايشون أتباعه، بحيث لو أن أحدهم أخلص في استبيان الدليل لم يكن ليعدمه، ويبقى

(١) وفي وصف النبي (صلى الله عليه وآله) للأئمة الاثني عشر من آله (عليهم السلام) قوله:
(... لا يضرهم من ناواهم..) وفي قوله عن الحسن والحسين: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا).
(٢) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (اللهم لا بد لأرضك من حجة على خلقك يهديهم إلى دينك ويعلمهم علمك، ولا يضيع أولياؤك بعد إذ هديتهم، ظاهر وليس بالمطاع، أو متكتم مترقب، إن غاب شخصه عن الناس في حال هدنة، لم يغب عنهم ثبوت علمه، فإذا قلوب المؤمنين مثبتة) (الغيبة للنعماني ص ٦٨ والإمام المهدي ص ٨٥).
عن النبي (صلى الله عليه وآله): " لا تخلو الأرض من قائم بحجة، إما ظاهر مشهور أو خائف مستور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته (نهج البلاغة ج ٤ ص ٣٧).
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»