أن الخلافة مشروع بشري لا بد أن يعكس ذاتية أصحابه فقد تعرى كليا على يده وأيدي من بعده، لتظهر الحقيقة في أنه لم يكن صادرا عن، ولا متكافئا مع عظم المسؤولية الرسالية ومقاصدها الربانية المواكبة للأجيال والأمم، فأصبحت الخلافة النسخة القيصرية الأشد سوءا لجهة أساليب القمع والاستخفاف بقيم الرسالة، لا بل وبالقيم الإنسانية، والتعدي على الحريات وارتكاب المجازر، والظلم العام والتمييز الطبقي والعرقي، والشذوذ في المسلك الشخصي للولي على أعين الناس، وفي طريقة التعاطي مع الأمم الأخرى بعيدا عن روح الرسالة وأهدافها، وتلاحقت الأحداث في المجتمع الإسلامي على النحو المعلوم تاريخيا، إلى أن أصبحوا عددا لا قيمة له في حسابات الأمم، وسيطر عليهم الكافرون، خلافا لما كان يرتجى لو لم ينحرف الناس عن الخط الإلهي المتمثل في المرجعية الصادرة عن الله تعالى المجسدة لأهداف الرسالة ومضمونها وبرنامجها والتي نص عليها القرآن والسنة متمثلة بالإمامة المعصومة، فلا ريب أن مشروع الخلافة البشري كان منذ بدايته مشروع الصراع على السلطة، الذي سرعان ما بدت آثار الخلل الجسيم الذي أحدثه في مسيرة الرسالة والأمة ومستقبلهما.
(٣٣)