بذلك المنهج ولو في التوجهات العامة، ولما خرج الخليفة الثالث (ر) عنه خروجا فاضحا وأصر على ذلك في وجه مراجعات الصحابة المتكاثرة واعتراضاتهم المتنامية، حصلت الثورة عليه، ثم جاء أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وبحكم كونه الوصي ودوره في المرجعية والقيمومة على الرسالة، عاد إلى إحياء ما عطل من السنة، والقيم الكبرى في حياة الأمة وفي مسلكية الحاكم وطريقة مباشرته لشؤون الحكم والرعية وفي حياته الخاصة، لذلك وجد المعارضة الدموية من أجنحة الخلافة البشرية التي قد رسخت نفوذها في المجتمع خلال عهود الخلفاء الثلاثة السابقين ونتيجة لسياساتهم في الحكم، سواء بما حصلته من ثراء إقطاعي مفرط كحالة الطلحة والزبير وعموم قريش وحزبهم، أو بما أحكمت قبضتها عليه من الولايات الغنية كحالة الأمويين في الشام، وساعد هؤلاء، ونتيجة للسياسات السابقة أيضا، ترسخ نهج عام لدى فئات من الأمة في ترجيح الضرورات السياسية والولاءات القبلية على فروضات القيم الرسالية والولاء للدين، ذلك النهج الذي كان في خلفية الانقلاب الأول على المرجعية المنصوبة ربانيا وتأسيس الخلافة البشرية المصدر، والذي تعكسه وقائع من جملتها قول عمر (ر) للعباس (ر) حين سأله: " ما الذي جعلكم تعدلون عن علي (ع) " فأجاب: " لم تكن قريش لترضى أن تجتمع النبوة والإمامة في بني هاشم " أو " في حي واحد " هذا الكلام الذي يعبر عن تطلعات رواد الخلافة تلك، لجهة عدم التفاعل مع المقاصد الربانية من الرسالة الإلهية وما يرتبط بها من نبوة ومن إمامة، ولجهة تجاهل هذه
(٣١)