انكماش دور المرجعية الرسالية والقيمومة على الدين وأهدافه المرحلية والبعيدة، في الوقت الذي اعتبروه نائبا عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد سمي بالخليفة من خلافة النبي (صلى الله عليه وآله) في أمته، ثم وجدنا أن هذا الهدف الأبرز مما يبرر في الأزمان اللاحقة للمجتهدين في الإمامة أن يجعلوا إطاعة الولي الفاسق أو الظالم واجبا، ويحرمون القيام عليه بحجة عدم الإخلال بالنظام العام وسير الحياة للأمة، حتى لو كانت هذه الإطاعة تشكل خطرا على الرسالة ومصالح الأمة العميقة في تقديم واضح للمصلحة الحياتية الآنية لبعض فئات الناس ومصلحة السلطان، على مصلحة الرسالة وضرورات العقيدة، ولئن كان في هذا المنطق تناقضا بين مقدماته ونتائجه، فإن نقاشه هنا يخرجنا عن الموضوع، إنما أردنا إظهار الفارق بين مضمون الخلافة البشرية التأسيس، وبين الإمامة الربانية المصدر التي تتمحور أساسا حول توفير المرجعية العليا للرسالة وللأمة في كل شؤونها المرتبطة بالدين، بما فيها الشأن السياسي والحكومة، وشأن الأخلاق والقيم والسلوك، لذا فالحكم والإدارة اللذان هما محور الخلافة البشرية ما هما إلا جزء بسيط من محور الإمامة الربانية المصدر.
ثم أن الذاتية التي تجلت في الغايات في خط الخلافة البشري، لا بد لها أيضا أن تتجلى في الأداء، فلما كان مسلك صاحب الرسالة ومنهجه في الحكم ما زال ماثلا في الأذهان في العقود الأولى، وكان الناس الذين عاصروه، أي الصحابة، يتوقعون عدم التباين عنه، لذا جاء مسلك الخليفة الأول والثاني (ر)، وهما ينتميان إلى ذات الجيل من الصحابة، متجلببا