على أنه لا بد من التنويه بأن عدالة المرء لا تقيه من الزلل في العمل ولا من الضلال في الرأي، مع ذلك فقد أظهرنا من خلال الواقع التاريخي لمجتمع الصحابة قبل حين افتقارهم على صعيد الفرد والجماعة إلى النضج الرسالي، ناهيك عن أن الغالبية كانت ما زالت في المراحل الأولى من أبجدية الإيمان، لحداثة عهدها بالدين الجديد، وأن الصحابة لم تكن جماعتهم تمتلك المناعة ضد الانحراف في السلوك، حتى في المواقف المفصلية التي يتوقف عليها بقاء الرسالة ومستقبلها حين تتوفر ظروف ضاغطة، أو حين حدوث تشويش للأفكار من إشاعات المنافقين، وأن كثيرا من الأفراد منهم بما فيه الذين تربعوا في القيادة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن لديهم أيضا تلك المناعة، وكان لديهم الميل إلى اتباع آرائهم الذاتية في مقابل أوامر النبي (صلى الله عليه وآله) الواضحة والصريحة.
كل هذه الحقائق تجعل افتراض صحة عمل الصحابة بمعنى مطابقته لحقائق الدين، أمرا بعيدا بعدا واضحا عن الواقع ومجافيا للمنطق السديد.
ولأن أصحاب الاجتهاد يعلمون أن لا حجية لعمل إنسان إلا إن كان مطابقا للنصوص، فإنهم حاولوا تشريع عدالة الصحابة برواية نسبوها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " علما أن مصطلح الصحابة في مفهومهم شديد الاتساع إلى حدود الغرابة، فهو يتسع إلى الطلقاء الذين أسلموا بعد فتح مكة حقنا لدمائهم، بل إلى أشخاص كانوا ظاهري العداء ببقائهم على عداء نبي الإسلام