الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ١٣٨
إن مثل هذه العقائد تؤسس في شخصية المسلم التناقض الذي لا حل له، إذ يتوجب عليه أن يصدق بصواب القاتل والمقتول، المعتدي والمعتدى عليه، الإمام العادل والمتمرد عليه، والحاكم الجائر والثائر عليه، وبصواب من سجلت كتب السيرة عليه مآخذ قاتلة في السلوك والأخلاق وسوى ذلك، علما بأن مثل هذه التناقضات تخلق غموضا في الدين، ينعكس بخطورة على البنية النفسية للفرد والجماعة، ويتجلى خللا في الموقف والسلوك، لذلك كان سهلا أن يقبل الناس الخضوع لولاة الجور والسوء على مر القرون، رغم تعارض ذلك مع روح الرسالة ونصوص الشريعة، مما أخرج الرسالة عن مجراها، وعطل دورها الأممي، وأدى أخيرا إلى ذهاب ريح المسلمين.
ومن الواضح أن الاجتهاد في الإمامة جاء لاحقا لما كان قد تأسس على أرض الواقع، ونبت في مناخ من ولاية الأمر ظالم، شديد البطش والتسلط، بعيد كل البعد عن معطيات الرسالة، وجاء عندما وصل، كنتيجة لما حصل من قبل، إلى الخلافة عن النبي (صلى الله عليه وآله) من لم يعد فساد حالهم ولا فساد سلطانهم يسمح بتغطية نتائج السقيفة بهالة من الزهد في شخص الخليفة ومن الغيرة على مصلحة الدين في سلوكه، من فساق بني أمية طلقاء الرسول وطردائه، فأصبح النهج كله بحاجة إلى مستند شرعي، فكان ادعاء الاجتهاد في الإمامة على النحو السابق الذكر، لذا جاءت نتائجه محكومة بواقع الخلافة لا حاكمة
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»