للحكومة الإسلامية ولو بالخطوط العريضة، لتصوب مجرى ولاية الأمر في الدولة الإسلامية عبر العصور، فإنه قد شرع كل أنواع الحكم التي حصلت من اختيار ومشورة (مع أن المضمون لا يتوافق مع التسمية كما سنرى) ووصاية، واستيلاء وغلبة، ومن وجوب طاعة الفاسق وحرمة القيام عليه ولو من قبل أهل العدالة، ومن صحة تعدد الأئمة، مما أفقد الإسلام قدرته على توجيه وتصويب ولاية الأمر والحاكمية، وجعله محكوما لها بدلا من أن يكون حاكما عليها، وأتاح للحكم في الدولة الإسلامية أنماطا قد تفوق في فسادها القيصرية والعنصرية، هذا كله لافتقار الاجتهادات إلى أصول تستند إليها في الكتاب والسنة، وذلك لأن النصوص عن ولاية الأمر محصورة بالإمامة المعصومة، ولا نصوص غيرها، وهذه الحقيقة تؤدي دلالة أخرى وهي أن الله تعالى لو لم يشخص للأمة، كما يدعون، الأئمة الذين فرض طاعتهم بهذا النص وغيره من النصوص، لكان حينئذ قد جعل في شريعته الكاملة أصولا للأمة تستنير بها وتنطلق منها لتشكيل النظام الذي لا تضل بالانقياد له، والذي ينسجم مع أهداف الرسالة وروحها، ولكن لأن هذا مفقود من جهة أولى، ولأن نصوص الإمامة قد أهملت، فقد أصبح المرتكز الأساسي للاجتهاد هو افتراض صحة عمل الصحابة وبناء الأحكام عليه، رغم أن عملهم هذا لا سند له في النصوص، لذلك قد جاء الاجتهاد، تاليا لاستقرار الخلافة على الواقع المعلوم تاريخيا، وجاء تابعا له لا مهيمنا عليه، محكوم به ليبرره، لا حاكما عليه ليصوب خطه.
(١٣٢)