فعمل بالهوى، وعطلت الأحكام، وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل، فهنالك تذل الأبرار وتعز الأشرار وتعظم تبعات الله عند العباد، فعليكم بالتناصح في ذلك وحسن التعاون عليه فليس أحد وإن اشتد على رضاء الله حرصه وطال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما لله أهله من الطاعة له، ولكن من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق بينهم. وليس امرؤ وإن عظمت في الحق منزلته وتقدمت في الدين فضيلته يفوق أن يعاون على ما حمله الله من حقه ولا امرؤ وإن صغرته النفوس واقتحبته (1) العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه.
(فأجابه (عليه السلام) رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه وطاعته له) فقال (عليه السلام): إن من حق من عظم جلال الله في نفسه وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما وإن من استحق حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر، ويوضع أمرهم على الكبر، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء واستماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من التقية في حقوق لم أفرغ من أدائها وفرائض لا بد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني في المصانعة، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس اعظام لنفسي، فإنه من استثقل