فالقارئ الكريم يرى أن عليا (عليه السلام) قد سبق جميع الأمم المتحضرة في اسمي المراتب الإنسانية والخلق الفاضلة لمعاملة الإنسان بصفته إنسانا لأخيه الإنسان ومعاملته ورفقه للحيوانات التي تحت يده وكيف يجب أن ترحم وترأف بها كأقصى حد بلغته الإنسانية في وصاياها لليوم.
وإليك درسا بالغا في المثل العليا لخليفة إلى من ولاه على الرعية يثير فيه روح الدين والتقوى والوجدان والعطف على من يسوسه من بني البشر المشابهين له في الخلق والمؤاخين له في الدين.
وهذا كتابه إلى عثمان بن حنيف الأنصاري عامله على البصرة حينما بلغه أنه دعى إلى وليمة فيها فمضى لها:
أما بعد يا بن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفاف (1)، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو (2) وغنيهم مدعو فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.
ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدى به ويستضئ بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمرية ومن طعمه بقرصية، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا ولا ادخرت من غنائمها وفرا (3) ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا (4) بل كانت في أيدينا فدك من كل