فإذا استعان زارع بالعوامل المذكورة وهو يعتقد بأنها مستقلة في تأثيرها أو أنها مستقلة في وجودها ومادتها كما في فعلها وقدرتها، فالاعتقاد شرك والطلب عبادة للمستعان به.
وبذلك يظهر أن الاستعانة المنحصرة في الله المنصوص عليها في قوله تعالى: * (وإياك نستعين) * هي الاستعانة بالمعونة المستقلة النابعة من ذات المستعان به، غير المتوقفة على شئ، فهذا هو المنحصر في الله تعالى، وأما الاستعانة بالإنسان الذي لا يقوم بشئ إلا بحول الله وقوته وإذنه ومشيئته، فهي غير منحصرة بالله سبحانه، بل إن الحياة قائمة على هذا الأساس، فإن الحياة البشرية مليئة بالاستعانة بالأسباب التي تؤثر وتعمل بإذن الله تعالى.
وعلى ذلك لا مانع من حصر الاستعانة في الله سبحانه بمعنى، وتجويز الاستعانة بغيره بمعنى آخر وكم له نظير في الكتاب العزيز.
ولإيقاف القارئ على هذه الحقيقة نلفت نظره إلى آيات تحصر جملة من الأفعال الكونية في الله تارة، مع أنها تنسب نفس الأفعال في آيات أخرى إلى غير الله أيضا، وما هذا إلا لعدم التنافي بين النسبتين لاختلاف نوعيتهما فهي محصورة في الله سبحانه مع قيد الاستقلال، وتنسب إلى غير الله مع قيد التبعية والعرضية.
الآيات التي تنسب الظواهر الكونية إلى الله وإلى غيره:
1 - يقول سبحانه: * (وإذا مرضت فهو يشفين) * (الشعراء / 80). بينما يقول سبحانه فيه (أي في العسل): * (شفاء للناس) * (النحل / 69).
2 - يقول سبحانه: * (إن الله هو الرزاق) * (الذاريات / 58) بينما يقول تعالى:
* (وارزقوهم فيها) * (النساء / 5).
3 - يقول سبحانه: * (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) * (الواقعة / 64). بينما