ومن هذا البيان يتضح المراد من قول فرعون:
* (أنا ربكم الأعلى) * (النازعات / 24).
ز: * (فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها) * (الكهف / 14).
إن الفتية الذين فروا من ذلك الجو الخانق الذي أوجدته طواغيت ذلك الزمان، كانوا جماعة يسكنون في مجتمع يعتقد بألوهية غير الله، ولكن ألوهية غير الله - في ذلك المجتمع - لم تكن بصورة تعدد الخالق، خاصة أن واقعة أهل الكهف حدثت بعد ميلاد السيد المسيح حيث كانت عقول البشرية وأفكارها قد تقدمت في المسائل التوحيدية بشكل ملحوظ وحظت من الرقي بمقدار معتد به، ولم يكن يعقل - في ظل هذا الرقي الفكري - وجود مجتمع منكر لخالقية الله، أو مشرك فيها فلا بد أن يقال إن شركهم يرجع إلى أمر آخر وهو الاعتقاد بتعدد المدبر.
ح: إن البرهان الواضح على أن مقام الربوبية هو مقام المدبرية وليس الخالقية كما يتوهم، هو الآية المتكررة في سورة " الرحمن ".
* (فبأي آلاء ربكما تكذبان) *.
فقد وردت هذه الآية في السورة المذكورة 31 مرة وجاءت لفظة " رب " جنبا إلى جنب مع لفظة " آلاء " التي تعني النعم وغير خفي أن التذكير بإسباغ النعم مرة بعد أخرى يناسب مقام التربية والتدبير فإرداف ذكرها، بذكر الرب شاهد على أن اللفظ بمعنى المدبر والمدير والمربي والمصلح. لا الخالق والموجد.
وإن شئت قلت: إن ذكر النعم (التي هي من شعب التربية الإلهية التي يوليها سبحانه للبشر) يناسب موضوع التربية والتدبير الذي تندرج فيه إدامة النعم وإدامة الإفاضة.