الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٨٣
والحاجة المحرجة، فيكف يده ولسانه عن السؤال، ولا يبذل ماء وجهه للناس.
وهو سلام الله عليه شجع على الإحسان لأنه يحبه، وكافأ عليه ليسود المعروف، ولا ينقطع سبيله، وأكرم القادم عليه وإن كان متوهما، فحفظ عليه ماء وجهه. فبذلك جمع إلى السخاء المادي، السخاء المعنوي، ورد الغلام العبد إلى أهله حرا مكرما، مسرورا مطمئنا، قد رفع عنه هم العيش وذلة الرق والعبودية للناس.
وليس عجيبا أن يصدر ذلك من رجل ورث أكرم الخلق، محمدا صلى الله عليه وآله، إنما العجيب حقا أن يبخل على هذا الكريم بقطرة ماء، بعد أن أجهده القتال أمام الآلاف المؤلفة من جيش عمر بن سعد، وقد قال له الشمر:
لا تذوقه حتى ترد النار، وناداه رجل: يا حسين! ألا ترى الفرات كأنه بطون الحيات؟ فلا تشرب منه حتى تموت عطشا (1). من هوان الدنيا على الله، إذ يشتد العطش بالكريم، فيحول بينه وبين الماء لئيم.
وقد عرف الإمام الحسين سلام الله عليه بصدقات السر.. يقول العالم الشيخ جعفر التستري رضوان الله عليه في جملة خصائص الحسين عليه السلام: ومنها: الصدقات، فقد تحققت منه خصوصية فيها، ما سمعت من غيره، وذلك أنه رأوا في ظهره يوم الطف ثفنات (2)، فسئل السجاد - ولده - عليه السلام عنها فقال: إن ذلك مما كان ينقله في الليل على ظهره للأرامل والأيتام. قال الراثي:

١ - مقاتل الطالبيين، لأبي الفرج الأصبهاني: 47.
2 - جمع ثفنه، ما في ركبة البعير وصدره، من كثرة مماسة الأرض.
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»
الفهرست