الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٧٨
وأخبرهما بما قالا، فقالا: إنهما غذيا بالعلم غذاءا (1).
وجاء الحسين عليه السلام رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة، فقال عليه السلام: يا أخا الأنصار، صن وجهك عن بذلة المسألة، وارفع حاجتك في رقعة، فإني آت فيها ما سارك إن شاء الله. فكتب: يا أبا عبد الله! إن لفلان علي خمسمائة دينار، وقد ألح بي، فكلمه ينظرني إلى ميسرة.
فلما قرأ الحسين عليه السلام الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة فيها ألف دينار، وقال عليه السلام له: أما خمسمائة فاقض بها دينك، وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك، ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دين، أو مروة، أو حسب.. فأما ذو الدين فيصون دينه، وأما ذو المروة فإنه يستحيي لمروته، وأما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك، فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك (2).
ولو وقفنا متأملين في هذه الرواية لوجدنا:
أولا: أن الإمام الحسين عليه السلام جمع إلى الكرم المالي، الكرم المعنوي، بإسداء الحكمة والموعظة.
وثانيا: أعطانا درسا في الأخلاق والشخصية، وهو ألا يسرع المرء إلى السؤال، وأن السؤال هو بذل ماء الوجه، فلا يسترخصه لأتفه الأسباب، كأن يبذر فيعتمد على السؤال، أو يتكاسل عن العمل، ويرجو إعانة الناس، فمن سمات شخصية المؤمن: الحياء، أما كثرة السؤال فتذهب الحياء. ثم إذا اضطر المرء إلى المسألة فعليه:

١ - بحار الأنوار ٤٣: ٣٢٠ - الحديث الرابع، عن الكافي.
٢ - تحف العقول: ١٧٧.
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»
الفهرست