الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٨٦
وهنا تعالوا نتوقف عند هذه الرواية لنرى ماذا كان غير الكرم الحسيني؟
أولا: إن الإمام الحسين عليه السلام أنسى الأعرابي مسألته وحاجته فارتفع حرجه، وذهبت عنه ذلته.. وليس ذلك فحسب، فإنه سلام الله عليه غير جو المسألة والحاجة والطلب، إلى جو السؤال والجواب والعلم، فإذا بالأعرابي يجد نفسه أمام عالم يريد أجوبة منه، وإن تظاهر ذلك العالم أنه يحب أن يسمع إجابات المسائل الثلاث، حتى تساءل الأعرابي متعجبا: يا ابن رسول الله! أمثلك يسأل مثلي وأنت من أهل العلم والشرف؟! وهذا يدل على أن الأعرابي لم يشعر أنه في جو امتحان، إنما في جو علمي تطرح فيه الأسئلة، ويطلب منه ما ينفع المستمعين. فأجاب على أي الأعمال أفضل؟ وما النجاة من الهلكة؟ وكان السؤال الثالث، ما يزين الرجل؟ فأجاب: علم، معه حلم.
ويبدو أن الأسئلة الثلاثة قد انتهت، ألا أننا نرى أن أسئلة أخرى قد طرحت بصيغة متتابعة، وهي: فإن أخطأه ذلك؟ وإذا لم تكن أسئلة فهي تفريعات على السؤال الثالث، ولم نسمع من الأعرابي اعتراضا على تجاوز السؤال الثالث إلى الرابع فالخامس فالسادس، أو قل إن شئت على التفريعات الإضافية الثلاثة للسؤال الثالث، إنما مضى يجيب، وكأنه نسي أنه قد جاء بحاجة وهي قضاء دية كاملة في عاتقه، مما يدل على أن الإمام الحسين سلام الله عليه قد خلق له جوا آخر ذهب فيه عن الأعرابي ما قد أحرجه من السؤال في قضاء حاجته.
ودليل بين على ذلك أن السؤال الأخير قد أجاب عليه بجملة دعت الحسين عليه السلام يضحك، فكان جو إخاء ومفاكهة، ومفاكهة الإخوان من الأخلاق الفاضلة، لا سيما إذا كانت معقولة لا إسراف فيها، وجاءت مذهبة للهم، مزيلة
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»
الفهرست