الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٢٤٩
فكل شئ يقضيه الله تعالى خير ورحمة، حتى الموت، بل حتى القتل طاعة له سبحانه. وقد تعجب الناس كيف استقبل الإمام الحسين عليه السلام ذلك القتل الرهيب بصدر ملؤه الرضى بقضاء الله، والتسليم لأمر الله، وهذه صفة عرفت فيه، وخلق ظهر عليه.. عن إسماعيل بن يحيى المزني قال: سمعت الشافعي يقول: مات ابن للحسين عليه السلام فلم ير به كآبة (1)، فعوتب على ذلك فقال: إنا - أهل البيت - نسأل الله عز وجل فيعطينا، فإذا أراد ما نكره فيما يحب رضينا (2).
ولما سقط الحسين عليه السلام ونالته السهام والسيوف والرماح ما نالته، قال هلال بن نافع: كنت واقفا نحو الحسين وهو يجود بنفسه، فوالله ما رأيت قتيلا قط مضمخا بدمه أحسن منه وجها ولا أنور! ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله (3).
ولما اشتد به الحال، رفع طرفه إلى السماء وقال:
اللهم متعالي المكان، عظيم الجبروت شديد المحال، غني عن الخلائق عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابق النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، ومدرك ما طلبت، شكور إذا شكرت، ذكور إذا ذكرت.. أدعوك محتاجا، وأرغب إليك فقيرا، وأفزع إليك خائفا، وأبكي إليك مكروبا، وأستعين بك ضعيفا، وأتوكل عليك كافيا. اللهم احكم بيننا وبين قومنا فإنهم غرونا وخذلونا، وغدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيك،

١ - في اللغة: كئب - كآبة: تغيرت نفسه وانكسرت من شدة الهم والحزن.
٢ - مقتل الحسين عليه السلام، للخوارزمي ١: ١٤٧.
٣ - مثير الأحزان، لابن نما: 39.
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»
الفهرست