وقال آخر: ولقد كان يحمل فيهم وقد تكاملوا ثلاثين ألفا.. فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1).
هكذا.. حتى غدروا به بالحجارة والسهام من بعيد، فصبر وصابر:
إلى أن أتاه السهم من كف كافر * ألا خاب باريها وضل المصوب فخر على وجه التراب لوجهه * كما خر من رأس الشناخيب أخشب وأعياه النزف، فجلس على الأرض ينوء برقبته (2)... لا يرى منه إلا الصبر، والرضى عن الله تعالى في جميع قضائه.
قال الشيخ التستري: وأما صبره عليه السلام كما ورد: ولقد عجبت من صبره ملائكة السماوات. فتدبر في أحواله وتصورها حين كان ملقى على الثرى في الرمضاء، مجرح الأعضاء، بسهام لا تعد ولا تحصى، مفطور الهامة، مكسور الجبهة، مرضوض الصدر، من السهام مثقوب الصدر بذي الثلاث شعب، سهم في نحره، وسهم في حنكه، وسهم في حلقه. اللسان مجروح من اللوك، والكبد محترق، والشفاه يابسة من الظمأ، القلب محروق من ملاحظة الشهداء في أطرافه، ومكسور من ملاحظة العيال في الطرف الآخر، الكف مقطوع من ضربة زرعة بن شريك، والرمح في الخاصرة، مخضب اللحية، والرأس يسمع صوت الاستغاثات من عياله، والشماتات من أعدائه، بل الشتم