الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ١٩٣
ومملوكه، فلا يحدثه إلا بعد أن يأخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمن عليه، ثم لا يزداد الأمر إلا شدة، حتى كثر وظهر أحاديثهم الكاذبة، ونشأ عليه الصبيان يتعلمون ذلك.
وكان أشد الناس في ذلك القراء المراؤون المتصنعون الذين يظهرون الخشوع والورع، فكذبوا وانتحلوا الأحاديث وولدوها فيحظون بذلك عند الولاة والقضاة ويدنون مجالسهم، ويصيبون بذلك الأموال والقطايع والمنازل، حتى صارت أحاديثهم ورواياتهم عندهم حقا وصدقا، فرووها وقبلوها وتعلموها وعلموها، وأحبوا عليها وأبغضوا من ردها أو شك فيها، فاجتمعت على ذلك جماعتهم، وصارت في يد المتنسكين والمتدينين منهم الذين لا يحبون الافتعال إلى مثلها، فقبلوها وهم يرون أنها حق، ولو علموا بطلانها وتيقنوا أنها مفتعلة لأعرضوا عن روايتها ولم يدينوا بها، ولم يبغضوا من خالفها، فصار الحق في ذلك الزمان عندهم باطلا والباطل عندهم حقا، والكذب صدقا والصدق كذبا.
فلما مات الحسن بن علي عليهما السلام ازداد البلاء والفتنة، فلم يبق لله ولي إلا خائف على نفسه، أو مقتول أو طريد أو شريد، فلما كان قبل موت معاوية بسنتين حج الحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس معه. وقد جمع الحسين بن علي عليه السلام بني هاشم.. رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم، من حج منهم ومن لم يحج، ومن الأنصار ممن يعرفونه وأهل بيته، ثم لم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن أبنائهم والتابعين، ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلا جمعهم، فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل، والحسين عليه السلام في سرادقه عامتهم التابعون وأبناء الصحابة، فقام الحسين عليه السلام فيهم خطيبا
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست