الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ١٦٥
ومن بعد المصطفى صلى الله عليه وآله حارب أهل البيت عليهم السلام على التأويل، كما حارب رسول الهدى على التنزيل، فدعوا قومهم ما استطاعوا وما وجدوا إلى طاعة الله سبيلا، حتى أضطر الإمام علي عليه السلام إلى دفع المارقين والقاسطين والناكثين بالاحتجاجات الطويلة.. فلما رأى سيوفهم سلت على الاسلام، جرد سيفه ذا الفقار فدفعهم في الجمل وصفين والنهروان، لا يجد عن ذلك بدا، لأن شريعة الله، وحال دولة الاسلام أصبحا في خطر، وكذا أنذر وضع الأمة بالانحراف.
وجاء الإمام الحسن سلام الله عليه فخطب وخاطب، ودعا واستدعى، وبلغ وبالغ في النصيحة، فتخلف الناس عنه، واتجهت قلوبهم إلى الدنيا وعيونهم إلى دنانير معاوية. فلما دعاهم إلى قتال المنحرفين تململوا، وتعللوا، وتثاقلوا، ثم غدروا به وخذلوه وكادوا يقتلونه، حتى استطاع (معاوية) أن يدس له السم القاتل على يد الآثمة " جعدة " فقتله، وأصبحت الأمة في محنة حقيقية.
وجاء الإمام الحسين صلوات الله عليه.. فلم يشرع أمره بالسيف، ولم يبدأ الناس بالدعوة إلى الحرب، بل تقدم لهم بالكلمة المرشدة المدعومة بالدليل العقلي. والدليل الشرعي النقلي، فخاطب العقول والضمائر، وعالج النفوس المنكمشة والقلوب المتحيرة، وصدع بالحق والحقيقة بشجاعة عاقلة هادفة، حملها ذلك القائد الهمام بين جنبيه مع حب الخير للناس، فجمع إلى الوعي التوعية.. ومن أفقه من الإمام الحسين عليه السلام! ومن أوضح منه بيانا إذا خطب أو خاطب؟!
وكانت كلماته سلام الله عليه تبث همة الجهاد، وتبعث روح الشجاعة في النفوس المخذولة المنهزمة. لأن معاوية أنفق بيت مال المسلمين على شراء
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»
الفهرست