الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ١٦٠
فكان لا بد أن يقوم الإمام الحسين عليه السلام لله، وعلى حب الله، وطاعة الله، وفي سبيل الله.. ولو كلفه ذلك الدماء الزكية، والأنفس القدسية، وآلام الأسر، وهو يعلم أن يزيد هذا لا يتورع عن انتهاك أي حرمة، وارتكاب أي جريمة، فبذلك يثبت للناس أن يزيد كافر، وأن الأمة متخلفة عن تكاليفها الشرعية، وهذا لم يكن للإمام الحسين عليه السلام أن يثبته إلا بالدم النبوي الشريف.
فعرض بدنه للسيوف والرماح والسهام، وعرض أسرته للقتل والسبي ليسلم الدين، ويستفيق المسلمون من أسر الغفلة وحب الدنيا والخوف.. وفعلا افتضح أمر (يزيد) بعد واقعة الطف، وبعد تلك المواقف الشجاعة التي ظهرت من الإمام الحسين عليه السلام، حتى إذا استتب له الأمر هجم على المدينة في واقعة الحرة فهتك حرمة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث أباح دماءها وأعراضها ثلاثة أيام، فقتل جيشه ألفا وسبعمائة من الأنصار والمهاجرين وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ووجوه الناس، ومن العوام عشرة آلاف سوى النساء والصبيان. هذا ما ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسياسة، أضف إلى ذلك النهب والإفساد وأسر المسلمين، وانتهكت ألف بنت في هذه المأساة، وحملت (من الزنا) سبعمائة امرأة بأولاد الزنا. ثم ماج يزيد على الكعبة فهدمها سنة 64 ه‍ بالمنجنيق كما يذكر ابن الأثير في تاريخه (الكامل) 4: 124.
إن الموقف يومذاك قد تطلب معرفة أمر الله وحكمه، والحسين سلام الله عليه من أهل بيت الوحي، ومستقى العلم.. وكذا تطلب الموقف شجاعة عالية لا يرقى إليها إلا الحسين، ولا يطالها إلا سيد شباب أهل الجنة،
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»
الفهرست