ثم قالها مرة أخرى فسكت العباس، فلما رأيت ذلك، قلت: أنا يا رسول الله! قال: أنت ... ومعنى قوله في هذا الحديث: من يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي، يعني إذا مت، وكأنه صلى الله عليه وسلم خشي إذا قام بإبلاغ الرسالة إلى مشركي العرب أن يقتلوه ، فاستوثق من يقوم بعده بما يصلح أهله، ويقضي عنه، وقد أمنه الله من ذلك في قوله تعالى : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس. الآية.
والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر يدعو إلى الله تعالى ليلا ونهارا وسرا وجهارا، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يرده عن ذلك راد، ولا يصده عنه ذلك صاد، يتبع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم وفي المواسم ومواقف الحج...). انتهى. وكرر كلامه بلفظه تقريبا في سيرته: 1 / 460.
وقد خلط ابن كثير في كلامه هذا كثيرا، وتعصب أكثر! فقد بتر حديث (وأنذر عشيرتك الأقربين ) وحذف منه اختيار النبي صلى الله عليه وآله خليفته من عشيرته الأقربين بأمر ربه تعالى ، وأورد بدله حديثا محرفا، وفسره المحرف بأن النبي صلى الله عليه وآله كان يخاف أن يقتله القرشيون، فطلب من بني هاشم شخصا يكون خليفته في أهله ويقضي دينه، فقبل ذلك علي عليه السلام، ثم انتفت الحاجة إلى ذلك بنزول الآية!!
لقد تجاهل ابن كثير أن النبي صلى الله عليه وآله كان مأمورا في تلك المرحلة بدعوة عشيرته الأقربين فقط، ولم يكن مأمورا بعد بدعوة قريش وبقية الناس! وأنه لا محل لما حبكته الرواية من خوفه من القتل والأذى!
ثم إن ابن كثير تفرد بربط آية العصمة بآية الأقربين، ولم أجد أحدا سبقه إليه ولا تبعه عليه، ولا ذكر هو من أين أخذه؟! وكأن المهم عنده أن يحرف كلام النبي صلى الله عليه وآله في حديث الدار ويميع نصه على أن عليا أخوه ووزيره وخليفته من بعده! وفي نفس الوقت يبعد آية التبليغ عن سورة المائدة ويوم الغدير!! وهذا قليل من كثير من عمل ابن كثير ، وإليك الحديث الذي بتره: قال الأميني في الغدير: 1 / 207:
(وها نحن نذكر لفظ الطبري بنصه حتى يتبين الرشد من الغي: قال في تاريخه: 2 / 217 من الطبعة الأولى: إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم