قال: نعم على رضا الله ورضاي، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه.
فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: يا أخا رسول الله، أتأذن لي في القتال؟
قال: مهلا رحمك الله، فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله فأعاد عليه ثالثا، فبكى أمير المؤمنين وقال: إنه اليوم الذي وصفه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فنزل أمير المؤمنين عليه السلام عن بغلته وعانق عمارا وودعه، ثم قال: يا أبا اليقظان جزاك الله عن نبيك خيرا، فنعم الأخ كنت، ونعم الصاحب كنت. ثم بكى عليه السلام وبكى عمار.
ثم قال: والله يا أمير المؤمنين ما تبعتك إلا ببصيرة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم خيبر: يا عمار ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذاك فاتبع عليا وحزبه ، فإنه مع الحق والحق معه، وستقاتل الناكثين والقاسطين، فجزاك الله يا أمير المؤمنين عن الإسلام أفضل الجزاء، فلقد أديت وأبلغت ونصحت.
ثم ركب وركب أمير المؤمنين عليه السلام ثم برز إلى القتال، ثم دعا بشربة من ماء، فقيل له: ما معنا ماء، فقام إليه رجل من الأنصار فأسقاه شربة من لبن، فشربه ثم قال: هكذا عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن. ثم حمل على القوم فقتل ثمانية عشر نفسا، فخرج إليه رجلان من أهل الشام فطعناه وقتل رحمه الله. فلما كان في الليل طاف أمير المؤمنين عليه السلام في القتلى، فوجد عمارا ملقى بين القتلى، فجعل رأسه على فخذه ثم بكى عليه السلام وأنشأ يقول:
ألا أيها الموت الذي لست تاركي * أرحني فقد أفنيت كل خليل أراك بصيرا بالذين أحبهم * كأنك تمضي نحوهم بدليل وقال في ص 180 في باب ما جاء عن أم سلمة:
حدثنا علي بن الحسن بن محمد بن مندة، قال: حدثنا أبو الحسين زيد بن جعفر بن محمد بن الحسين الخزاز بالكوفة في سنة سبع وسبعين وثلاثمائة، قال حدثنا العباس بن العباس الجوهري ببغداد في دار عميرة، قال: حدثني عفان بن مسلم قال: حدثني حماد بن سلمة، عن الكلبي