كل هذه وما إليها من المساوي تأتي كنتيجة طبيعية لحب الدنيا والميل مع الهوى، وكل واحدة منها تدع الانسان في ظلمات تعميه عن رؤية الله ومعرفة الحقيقة، فكيف إذا تعاونت عليه مجتمعة؟! اما إذا انصرف عن الموبقات، وروض نفسه رياضة تجعل هواه ورضاه في طاعه الله وحده، حتى ولو كان فيها البلاء والضراء، فإنه، والحال هذه، يسير تلقائيا مع فطرة الله التي فطر الناس عليها، وينزع بطبعه إلى الايمان بالواحد الاحد، ولا يحتاج إلى أقيسة الفلاسفة واستدلالاتهم المنطقية، ونقاشهم وحوارهم، فهذا الايمان يستند إلى القلب وحده، على شريطة ان يكون طاهرا نقيا من كل شائبة.
وعلى هذا السبيل نستيطع القول بان ما من أحد انكر وجود الله الا لأنه أسير الأهواء والشهوات، قال الإمام الصادق:
" ابعد ما يكون العبد من الله عز وجل إذا لم يهمه الا بطنه وفرجه ". ولذا ينتشر الالحاد، حيث ينتشر الفساد، وهذا ما اراده الصوفية من الكشف، اي ان الايمان بالله يحصل في القلب الزكي تلقائيا بدون دراسة وبرهنة، لأن هذه لا تثمر غير الشك والارتياب إذا لم يكن القلب صافيا نقيا.
ولا شئ أدل على ذلك من اننا نجد في كل عصر افرادا يؤمنون بالله بفطرتهم، فقد حدثنا التاريخ عن حنفاء في الجاهلية تركوا قومهم يعبدون الأصنام، وعكفوا على عبادة الرحمن. ومهما شككت فاني على يقين بان طهارة القلب، والخوف من الله