بسمته، لكنا كمن يأخذ المسيحية عن مقلنس، والاسلام عن معمم، ويدع القرآن والإنجيل، وما فيهما من تعاليم واحكام وفرائض.
ولا شئ أدل على أن التصوف غير الزهد من أن معنى الزهد يتحقق بمجرد الاعراض عن الدنيا ومتاعها، أما التصوف فقد أخذ في مفهومه مجاهدة النفس وترويضها، أجل، ان الزهد ثمرة من ثمرات التصوف، وليس هو التصوف بالذات، على أن ابن عربي، وهو أحد شيوخ الصوفية قد فسر هذا الحديث القدسي حكاية عن الله سبحانه: " أنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها، قطعته " فسره بأن العمل في هذه الحياة ضرورة لازمة لكل انسان صوفيا كان أو غير صوفي، ويتلخص شرحه لهذا الحديث بأن الله أراد من الرحم الطبيعة، فكما أن الرحم تضم الطفل، وتغذيه، وتحفظ له الحياة كذلك الطبيعة تضم الانسان، وتطعمه، وفيها ينمو ويكبر، اما صلة الانسان للطبيعة فهو أن يجد فيها ويعمل، ومعنى قطعه لها أن يكسل ويهمل، وقال الشيخ العربي: من بخس حق الطبيعة فقد بخس حق الله، وجهل ما فيها من اسرار.
هذا، إلى أن ما يحصل للانسان من الثواب والنعيم في الآخرة، وبعد الموت فهو من نتائج العمل في هذه الحياة، فليس الكمال الأخروي الا من ثمرات العمل في الطبيعة نفسها، وهذا معنى قوله تعالى: " وان ليس للانسان الا ما سعى "