إلى الحيوان الذي يستخدمه في مرافق حياته، ففيه العبادات التي تسمو بروحه وتقوم بتهذيب نفسه وتصله بخالقه، وفيه المعاملات التي تنتظم جماعة، وفيه العظات والعبر التي تقيه من مصارع السوء، وفيه الإرشاد إلى اتباع وازعي العقل والشرع لتعديل ملكاته واجتنابه طرفي الافراط والتفريط، وهو بعد كافل لسعادة الإنسان من كل نواحيها مبين لها أكمل بيان.
2 - إن هذه الشريعة السمحة الغراء تستمد مادتها التي لا ينضب معينها الصافي الفياض من القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن السنة الجامعة التي لا تفترق عنه وهي المفصلة لما أجمل، ومن العمل بمضمونها بما تلقي عن الرسول الأعظم تلقيا مؤدي إلى الأمة بمنتهى الأمانة والاخلاص من رجال مخلصين صانوا الكتاب والسنة، بما استنبطوا لهما من علوم من كل زيغ وتحريف في مبني أو معنى، ولم يخل منهم والحمد لله عصر من الأعصار ومصر من الأمصار، لم تأخذهم في حفظهما والذود عن حياضهما لومة لائم، وهم بالمرصاد لكل من ناصبها العداء.
3 - إن حكمة الله اقتضت وقد نسخت بالشريعة الإسلامية الشرائع كافة صيانتها من الزيادة والنقصان، وبلغت بها الذروة في حكمة تشريعها التي لائمت كل الأمزجة والطباع وجميع الأعصار وسوية البشر من حيث اختلافهم في الرقي والانحطاط، كما أنها لم تقف بالمسلم موقف الجامد وللحياة شؤون لآفاق ومتجددات لا مناص له من التكليف بكيفياتها، شرط أن لا تشذ عن قواعد دينه الخالد (دين الله الحق) فقد فتحت له بما فيها من المرونة بما جمعته من الأصول والقواعد التي لا يشذ عنها فرع من الفروع المتجددة طرقا للاستنباط معبدة وصوى للاجتهاد واضحة، بحيث لا يفارقان تلك الأصول والقواعد، ولا يحيدان عنها قيد أنملة، بل جعلت لكل مجتهد نصيبه إن أخطأ فله أجر واحد وإن أصاب فأجران، ورفعت العسر والحرج عن المكلف، وما من حادث متجدد إلا حكمة.
إن الاستنباط والاجتهاد لا يتناولان إلا ما هو ظني وأما القطعي فليس من متناولهما، والترخيص فيهما من الشارع الأعظم منحصر فيما انسد به العلم