بعضها بعث دجالين كذابين قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وأخرجه مسلم في صحيحه مسندا إلى أبي هريرة من طريقين، وفي ثانيهما بدل يبعث ينبعث مقتصرا على الأخبار عن بعث أو انبعاث دجالين كذابين قريب من ثلاثين، وكلاهما لم يعرض لمورد الحديث الذي أورده أبو الفداء ملك حماه في تاريخه المختصر، حيث قال: وروى عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " أيها الناس إني قد رأيت ليلة القدر ثم انتزعت مني، ورأيت في يدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا، فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة وصاحب صنعاء، ولن تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كل منهم يزعم أنه نبي ".
ويفهم من ذكر مورد الحديث وروايته على هذه الصورة أن خروج الثلاثين دجالا كل منهم يزعم أنه نبي من يكون لدعواه النبوة من الأثر مثل ما كان لصاحبي صنعاء واليمامة وهو ما استظهرناه آنفا.
ويدل على أن عدد المتنبئين لم يستكمل نصابه حديث أخرجه مسلم في الصحيح مسندا إلى جابر بن سمرة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) " أن بين يدي الساعة كذابين " (1) ووجه الدلالة أنه إن كان المراد من الكذابين مطلق من يصدر منهم الكذب، فأي محصل لتخصيص ظهورهم بين يدي الساعة والكذابون اتصل ظهورهم بعصر النبوة وكثر سوادهم بعده وضخم أمرهم بعد تفرق الأمة فرقا وشيعا حتى بلغوا ثلاثا وسبعين فرقة، ومن أجل ذلك عني المحدثون بوضع علم الحديث ومتفرعاته للتعريف بمن يقبل حديثه ومن يرد حديثه، فإذن لا بد من حمل هذا الحديث المطلق على الحديث المقيد الذي نحن بصدده، وأن يراد من الكذابين في الحديث " إن بين يدي الساعة كذابين " من لهم صفة زعم النبوة، وذلك دليل على عدم استكمال العدد، وأن منهم من يقارن ظهوره وخروجه حلول أجل الساعة، وكان في التعبير ب (بين) يدي الساعة إيماء إلى ذلك.