نحتاج معه إلى مزيد بيان بأن الانذار حاصل مستمر غير منقطع بالكتاب العزيز الحجة الخالدة القاطعة للمعاذير، وهو المتكلم والمخاطب به عامة المكلفين إلى قيام الساعة، والمفهوم بالمجمع عليه من تفاسيره الخالية من شائبة الإسرائيليات وأحاديث الحشويين ودس المعاندين والسنة الجامعة القائمة وبالقوام عليهما من أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) التي هي الوسط بين الأمم، ولا بد لنا بعد هذا الاجمال من إيراد بعض ما ذكره المفسرون الموثوق بهم في تفسير هذه الآية:
ففي مجمع البيان للطبرسي " (يلقي الروح) وقيل: الروح هو القرآن، وكل كتاب أنزله الله تعالى على نبي من أنبيائه، وقيل: الروح الوحي هنا، لأنه يحيي به القلب، أي يلقي الوحي على قلب من يشاء ممن يراه أهلا له، يقال:
ألقيت عليه كذا، أي فهمته إياه، وقيل: إن الروح جبرائيل (عليه السلام) يرسله الله تعالى بأمره، عن الضحاك وقتادة، وقيل: إن الروح ههنا النبوة عن السدي (لينذر) النبي بما أوحي إليه يوم التلاق " (1).
وفي أنوار التنزيل للبيضاوي " (يلقي الروح من أمره) الآية، خبر رابع للدلالة على أن الروحانيات أيضا مسخرات لأمره بإظهار آثارها وهو الوحي، وتمهيد للنبوة بعد تقرير التوحيد، والروح الوحي، ومن أمره بيانه لأنه أمر بالخير أو مبدؤه، والأمر هو الملك المبلغ " (2) إلى مختاره للنبوة، وقريب منه ما جاء في الكشاف.
وأما الفخر الرازي فنلخص بحثه الطويل في تفسير هذه الآية بما يلي:
" واعلم أن أشرف الأحوال الظاهرة في روحانيات هذا العالم ظهور آثار الوحي، والوحي إنما يتم بأركان أربعة: فأولها: المرسل وهو الله سبحانه وتعالى فلهذا أضاف الوحي إلى نفسه فقال: (يلقي الروح). والركن الثاني:
الإرسال والوحي، وهو الذي سماه بالروح. والركن الثالث: أن وصول الوحي من الله تعالى إلى الأنبياء لأن يمكن أن يكون إلا بواسطة الملائكة، وهو المشار