الحالتين النزول أو المنازلة، فجعل يتسلل إلى الحسين من أصحاب عمر بن سعد في ظلام الليل الواحد والاثنان حتى بلغوا في اليوم العاشر زهاء ثلاثين ممن هداهم الله إلى السعادة ووفقهم للشهادة.
ثم إن الحسين (عليه السلام) عطش في اليوم الثامن فأرسل أخاه العباس في عشرين فارسا ومثلهم راجلا فأزالوا الحرس عن المراصد وشربوا وملؤا قربهم ورجعوا، ثم أتى أمر من عبيد الله إلى عمر بن سعد يستحثه على المنازلة، فركبوا خيولهم وأحاطوا بالحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه فأرسل الحسين (عليه السلام) أخاه العباس معه جملة من أصحابه وقال: سلهم التأجيل إلى غد إن استطعت، وكان ذلك اليوم تاسع محرم فأجلوه بعد مؤامرة بينهم وملاومة، فلما دجا الليل بات أولئك الأنجاب بين قائم وقاعد وراكع وساجد، وإن الحرس لتسمع منهم في التلاوة دويا كدوي النحل، ثم جاءهم سيد هم الحسين (عليه السلام) فخطبهم وقال: " أثني على الله أحسن الثناء، وأحمده على السراء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين ".
أما بعد: " فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا، ألا وإني لأظن أن لنا يوما من هؤلاء، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ودعوني وهؤلاء القوم فإنهم ليس يريدون غيري " (1).
فأبى عليه أهل بيته وأصحابه وأجابوه بما شكرهم عليه، فخرج عنهم وتركهم على ما هم عليه من العبادة ينظر في شؤونه ويوصي بمهماته.
فلما أصبح الحسين (عليه السلام) عبأ أصحابه وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون