الفزع وخرجا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح، فجاؤوا وفي السقيفة خلق كثير، فقال عمر بن الخطاب: أتيناهم وقد كنت زودت كلاما أردت أن أقوم به فيهم، فلما اندفعت إليهم ذهبت لابتدء المنطق فقال لي أبو بكر: رويدا حتى أتكلم.
ثم انطق بعد بما أحببت فنطق، فقال عمر: فما شئ كنت أريد أن أقول به إلا وقد أتى به فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
إن الله بعث محمدا رسولا إلى خلقه وشهيدا على أمته ليبعدوا الله ويوحدوه وهم يعبدون من دونه آلهة شتى، يزعمون أنها لمن عبدها شافعة ولهم نافعة! وإنما هي من حجر منحوت، وخشب منجور، ثم قرء: * (يعبدون من دون الله ما لا يضرهم الآية) * فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه، والأيمان به، والمواساة له، والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم وتكذيبهم إياه، فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالله وبالرسول وهم أوليائه وعشيرته، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم في ذلك الأمر إلا ظالم.
وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله أنصارا لدينه ورسوله وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلة أزواجه وأصحابه، وليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء!!! لا نقتات عليكم (1) بمشورة ولا نقضي دونكم الأمور.
فقام الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم، فإن الناس في ظلكم، ولن يجترء مجترء على خلافكم، ولا يصدر أحد إلا عن رأيكم، وأنتم أهل العزة، والمنعة، وأولوا العدد والكثرة، وذوو البأس والنجدة، وإنما ينظر الناس ما تصنعون، فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم:
فمنا أمير ومنهم أمير، فقال عمر: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد، والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولا تمنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة