كل ذلك كان في حماية زوجها إلى أن ماتت شهيدة، ومع ذلك لما حضرتها الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: يا سيدتي ما يبكيك؟ قالت: أبكي لما تلقي بعدي، قال لها: لا تبكي فوالله إن ذلك لصغير عندي في ذات الله تعالى. (12) وروى الشيخ المفيد في الإرشاد، إنه لما بعث النبي أمير المؤمنين عليهما السلام، إلى غزوة ذات الرمل التي تسمى بغزوة ذات السلسلة أيضا، كانت لأمير المؤمنين عليه السلام عصابة لا يتعصب بها حتى يبعثه النبي صلى الله عليه وآله في وجه شديد، فمضى إلى منزل فاطمة عليها السلام، فالتمس العصابة منها، فقالت: أين تريد وأين بعثك أبي؟ قال: إلى واد الرمل، فبكت إشفاقا عليه، فدخل النبي صلى الله عليه وآله وهي على تلك الحال، فقال لها: ما لك تبكين؟
أتخافين أن يقتل بعلك؟ كلا إنشاء الله، فقال له علي عليه السلام: لا تنفس علي بالجنة يا رسول الله (13).
وأما شفقتها على أولادها فيكفي في ذلك، ما رواه الصدوق عن حماد عن الصادق عليه السلام قال: لا يحل لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة عليها السلام، أن ذلك يبلغها فيشق عليها، قلت يبلغها، قال: أي والله (14).
وقال صاحب عمدة الطالب في طي أحوال بني داود بن موسى الحسني ولبني داود بن موسى حكاية جليلة مشهورة بين النسابين وغيرهم مسندة وهي مذكورة في ديوان ابن عنين: وهي إن أبا المحاسن نصر الله بن عنين الدمشقي الشاعر توجه إلى مكة، شرفها الله تعالى، ومعه مال وأقمشة، فخرج عليه بعض بني داود، فأخذوا ما كان معه وسلبوه وجرحوه، فكتب إلى الملك العزيز ابن أيوب