ورواية أبي ذر رحمه الله: إن أمير المؤمنين عليه السلام أخذ خالدا بإصبعيه السبابة والوسطى في ذلك الوقت فعصره عصرا، فصاح خالد صيحة منكرة ففزع الناس وهمتهم أنفسهم، وأحدث خالد في ثيابه، وجعل يضرب برجليه ولا يتكلم فقال أبو بكر لعمر: هذه مشورتك المنكوسة، كأني كنت أنظر إلى هذا وأحمد الله على سلامتنا، وكلما دنا أحد ليخلصه من يده عليه السلام لحظة لحظة تنحى عنه راجعا فبعث أبو بكر عمر إلى العباس، فجاء تشفع إليه وأقسم عليه، فقال: بحق القبر ومن فيه، وبحق ولديه وأمهما إلا تركته، ففعل ذلك، وقبل العباس بين عينيه (8).
وفي رواية أخرى: ثم إن عليا عليه السلام قام إلى عمر وأخذ بتلابيبه وقال:
يا ابن صهاك الحبشية، لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا، وحال الحاضرون بينه عليه السلام وبين القوم وخلصوا عمر من يد أمير المؤمنين عليه السلام فعندنا قام وتقدم العباس إلى أبي بكر وقال: أما والله لو قتلتموه ما تركنا تيميا يمشي على وجه الأرض (9).
في البحار، قال ابن أبي الحديد، سئلت النقيب أبا جعفر يحيى بن زيد، فقلت له إني لأعجب من علي عليه السلام كيف بقي تلك المدة الطويلة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله: وكيف ما اغتيل وفتك في جوف منزله مع تلظي الأكباد عليه، فقال: لولا أنه أرغم أنفه بالتراب ووضع خده في حضيض الأرض لقتل، ولكنه أخمل نفسه واشتغل بالعبادة والصلاة والنظر في القرآن، وخرج عن ذلك الزي الأول وذلك الشعار ونسي السيف وصار كالفاتك، يتوب ويصير سايحا في الأرض أو راهبا في الجبال، فلما أطاع القوم الذين ولوا الأمر وصار أذل لهم من الحذاء تركوه وسكتوا عنه، ولم تكن العرب لتقدم عليه إلا بمواطاة من متولي الأمر وباطن في السر منه، فلما لم يكن لولاة الأمر باعث وداع إلى قتله وقع الإمساك عنه، ولولا ذلك لقتل، ثم الأجل