لم يأن إلى الآن، ولولا دعاؤهم لتأخر عنه أيضا.
والثاني: إن الأخبار ناطقة أيضا بأن لتعجيل ظهوره موانع عديدة، سوى ترك الدعاء، وترك الدعاء أيضا، أحد الموانع، فإذا اهتم المؤمنون به ارتفع ذلك وتقدم وقت الفرج بسبب الدعاء، فيجب الاهتمام أيضا في رفع سائر الموانع، وقد تقدم ذكر تلك الموانع في حرف الغين المعجمة من الباب الرابع فاغتنم وراجع ولو ترك الدعاء لكان التأخير أكثر.
ومما ذكرنا ظهر أنه لا منافاة بين الأمر بالدعاء في تعجيل الفرج والظهور، والأخبار الناهية عن الاستعجال، وأن العجلة المذمومة ما كانت من قبيل الأقسام المذكورة التي فصلناها لك.
وأما الدعاء بتعجيل الفرج مع كون الداعي من أهل التسليم والرضا بما حتمه الله عز وجل في قضائه وقدره فهو مما أمر الله تعالى وأولياؤه به، وحثوا عليه. فالداعي يفوز بإحدى الحسنيين: إما ظهور مولاه في زمانه، مع نيله سائر فوائد الدعاء، إن لم يكن التأخر عن ذلك الزمان من المحتومات، التي لا أثر للوسائل في تبديلها.
- كما ورد (1) في الدعاء عن سيد الساجدين (عليه السلام): " ويا من لا تبدل حكمته الوسائل " فيكون ذلك نظير طول العمر الموقوف على صلة الأرحام مثلا إذا لم يكن غيره محتوما. وإما فوزه بسائر الفوائد، ودخوله في زمرة الداعين والمنتظرين، فالدعاء بتعجيل الفرج على كل حال مأمور به، ومرغوب فيه ولا تنافي بينه وبين النهي عن العجلة.
والحاصل: إن العجلة المذمومة ضد الصبر والتسليم، وجميع الأقسام التي فصلناها تدخل تحت هذا العنوان، ولا ريب أن الدعاء ومسألة تعجيل فرج صاحب الزمان (عليه السلام) من الخالق المنان خارج عن ذلك العنوان، بل هو إظهار يقين وإيمان بأن ظهوره وتهيئة أسباب فرجه خارجة عن قدرة كل أحد إلا الله تعالى، وامتثال لأمره بالدعاء فلذلك يسأله العبد من الله تعالى.
وبتقرير آخر نقول: إن التعجيل من العبد إظهار للاختيار، وترك للتسليم ومعاجلة للأمر قبل بلوغه، وهو يوجب الندامة. كما سبق في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ومسألة التعجيل من الملك الجليل تعالى شأنه اعتراف بالعبودية وإذعان لله عز وجل بالقدرة والمشيئة، والحول والقوة، ولنفسه بالعجز، وبأن لا حول ولا قوة ولا حيلة.