مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ١ - الصفحة ٣٦٩
ثم قال (عليه السلام): وإنا لا نوصف، وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس! وهو الشك.
أقول: هذا بيان لرفعة شأنهم، وقصور غيرهم عن الإحاطة بكنه معرفتهم: وذلك لأن كل مؤمن موقن غير الإمام لا يصل إلى مرتبة علم اليقين، إلا بعد طي ما دون تلك المرتبة من المراتب وتلك المراتب تلازم الشك نعني ما يقابل هذه المرتبة العالية، بخلاف الإمام فإن معرفته في مرتبة عين اليقين، من حين خلقه الله تعالى شأنه.
فمن هذه صفته، لا يحيط القاصر عن درجته بمقامه.
وأيضا إن الأئمة (عليهم السلام) هم مظاهر صفات الله عز وجل، فمن هذه صفته لا يشوب وجوده شائبة شك، أو وسوسة، أو خطرات قلب، في حال من الأحوال بخلاف من دونه، فلا يمكن لمن دونه الوصول إلى كنه معرفته، وحقيقة ذاته، وصفته.
وأما المؤمن فهكذا حاله بالنسبة إلى غيره، يعني أن غير المؤمن لم يبلغ درجة الإيمان، حتى يعرف مقام المؤمن، وكذا المؤمنون من كان مقامه دون مقام غيره من المؤمنين، كأبي ذر بالنسبة إلى سلمان مثلا، ومن كان في الدرجة الأولى من الإيمان، بالنسبة إلى من هو في الدرجة الثانية، لا يقدر على الإحاطة بمعرفة إيمان من فوقه، وإدراك مقامه.
وأما قوله (عليه السلام): وإن المؤمن ليلقى أخاه، الخ فهو إشارة إلى علو مقام المؤمن، وارتفاع شأنه، لا علة لسبب قصور غيره عن درك مقامه. كما لا يخفى فتأمل.
السادس: أن يكون المراد بالمحفوظة، التي حفظها المستودعون المستحفظون لهذه الأمانة الجليلة الإلهية في كل زمان، ونعني بهم أجداد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أبينا آدم (عليه السلام)، لأنهم عرفوا الواجب من حقها، فلم يؤدوها إلا إلى أهلها، أي الأرحام الطاهرة المطهرة النقية عن أدناس الشرك، وأرجاس الكفر، رغما لآناف المعاندين كما لا يخفى على من لاحظ تواريخ أحوال آبائه، من أبي عبد الله إلى أبي البشر صلوات الله عليهم أجمعين.
السابع: أن يكون المراد بالمحفوظة، التي حفظها المؤمنون، حيث جعلوها في قلوبهم، وحفظوا معرفتهم وشؤونهم في أفئدتهم، وحفظوا تلك الأمانة عن أذى المعاندين، بصون أسرارهم، وحسن التقية في محافل أغيارهم، فبذلك حفظوهم عن سوء مقاصد أعدائهم، وحفظوها عن الاندراس والانطماس، بذكر جميل ثنائهم عند شيعتهم وأحبائهم، وبذلوا أنفسهم ومهجهم، وأموالهم، وذراريهم لحفظهم، وحفظ ما يتعلق بهم.
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»