مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ١ - الصفحة ٣٥٨
- ويؤيد ذلك ما رواه ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي (1) بإسناده عن مفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال هلك، في أي واد سلك قلت كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إذا ادعاها مدع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله.
- ورواه الشيخ النعماني (2) هكذا: إن ادعاها مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله.
قلنا: إن المعرفة بنحو ما ذكر لا تتيسر لجميع أهل العالم، مثل أكثر النساء والذين يكونون في البلاد البعيدة، مع أن الظاهر من الروايات الكثيرة أن أمر ظهور مولانا القائم (عليه السلام) من الأمور التي وعد الله إظهاره وإعلانه على جميع أهل الدنيا لخفي الأمر على كثير من الناس، إلا بعد زمان طويل وما ذكرناه واضح لأهل التتبع والتحصيل.
الرابع: إن تغيير العلامات التي صرح بكونها محتومة، أو نفيها، يستلزم أن يكذب الله عز وجل نفسه، وملائكته، وأنبياءه وأولياءه كما مضى في الحديث، ولا ريب عند أحد في قبح ذلك.
الخامس: إن ما ذكرنا من لزوم نقض الغرض في تغيير العلامات المحتومة وتبديلها، يلزم في تأويلها أيضا، إذ لا ريب في أن المقصود، وهو معرفة العباد بالإمام، إنما يحصل بنصب علامات ظاهرة يطلع عليها كل أحد، وظهور تلك العلامات على طبق ما أخبروا به، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة فبيان العلامة بنحو يفهم منه أهل اللسان شيئا، ثم إرادة غير ما هو الظاهر، ليس إلا إغراء بالجهل، وإضلالا للناس بل هو مما يحكم بقبحه العقل كما لا خفاء فيه.
نعم يمكن أن يريد المتكلم غير ما هو ظاهر اللفظ، بشرط أن يبين للمخاطبين مراده، أو ينصب لهم قرينة واضحة، لا يتأملون في فهم مراده من تلك القرينة، والدلالة الواضحة لكن بين هذا وبين حمل تمام تلك العلامات المروية حتى ما صرح بحتميتها مع عدم دلالة واضحة، وقرينة ظاهرة، على قابليتها للتأويل، كما بين السماء والأرض!! بل لو انفتح هذا

١ - الكافي: ١ / ٣٤٠ باب في الغيبة ح 20.
2 - غيبة النعماني: 90 باب للقائم غيبتان طويلة وقصيرة.
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»