العصمة من مقولة العلم الرادع الحق أن العصمة نوع من العلم يفاض منه سبحانه على من اختاره الله سبحانه فيمنعه عن ارتكاب المعصية أو الوقوع في الخطأ، بل ويردعه عن التفكير في كل ذلك، فضلا عن العمل، وذلك أثر العلم وخاصيته، فإن العلم النافع والحكمة البالغة يوجبان تنزه صاحبهما عن الوقوع في مهالك الرذائل، والتلوث بأقذار المعاصي، وذلك مما نشاهد في رجال العلم والحكمة من أهل الدين والتقى غير أن سببية (العلم العادي) سببية غالبية لا دائمية وإن شئت قلت: هو مقتض للتنزه عن المعاصي، كما هو شأن سائر الأسباب الموجودة في عالم المادة وعلى ذلك فكل متلبس بالكمال، يحجزه ذلك الكمال عن النقص، ويصونه عن الخطأ حسب قوته وشدته.
هذا هو شأن (العلم) وأثره، غير أن القوى الشعورية والغريزية الأخرى ربما توجب مغلوبية (العلم) وتنفي أثره، أو توجب ضعفه، فصاحب ملكة التقوى - مثلا - ما دام يشعر بتلك الفضيلة ويخضع لتلك الملكة فهو لا يميل إلى الشهوة غير المرضية، وإنما توجب أن يجري صاحبها على مقتضى تقواه، غير أن اشتعال نار الشهوة، ربما أوجب تغلب الشهوة على ذلك الشعور الديني، فلا يلبث دون أن يرتكب ما لا يرتضيه التقوى وعلى هذا النمط يكون حال سائر الأسباب الشعورية في الإنسان فهو لا يحيد عن حكم سبب ومقتضاه ما دام ذلك السبب قائما على قدم وساق وما دام الإنسان يخضع له ويعيش في جوه إلا إذا غلبته سائر القوى البشرية الأخرى، فهناك يسقط تأثير السبب المغلوب، وينساق