التكوينية ولكن تلك الإرادة تعلقت بها لما علم سبحانه أنهم بما زودوا من إمكانات ذاتية ومواهب مكتسبة نتيجة تربيتهم وفق مبادي الإسلام لا يريدون إلا ما شرع لهم سبحانه من أحكام فهم لا يشاؤون إلا ما يشاء الله.
وعند ذلك صح له سبحانه أن يخبر بأنه أراد تكوينا إذهاب الرجس عنهم لأنهم عليهم السلام ما داموا لا يريدون لأنفسهم إلا الجري على وفق الشرع الذي هو عبارة أخرى عن إذهاب الرجس والتطهير لا يفيض عليهم سبحانه إلا هذا النوع من الوصف.
وحصيلة الكلام أن مبنى الإشكال هو الغفلة عن كيفية تعلق إرادته سبحانه بأفعال العباد حيث توهم المستشكل: أولا أن أفعال العباد خارجة عن إطار الإرادة التكوينية لله سبحانه وغفل عن أن هذا النوع من الاعتقاد يساوق الشرك ويصادم التوحيد.
وثانيا: أن سبق الإرادة التكوينية على أفعال العباد يستلزم سلب الاختيار عنهم، وغفل عن أن إرادته سبحانه إنما هي بتوسط إرادة العباد واختيارهم، فهم إذا أرادوا لأنفسهم شيئا فالله سبحانه يريد ذلك الشئ لهم تكوينا وليس في ذلك آية رائحة للجبر بل هو الأمر بين الأمرين.
وعندئذ يكون المراد من تطهيرهم هو تجهزهم بإدراك الحق في الاعتقاد والعمل أي إعطائهم البصيرة الكاملة لمعرفة الحق في مجال الاعتقاد والعمل، وحينئذ تتعلق إرادته التكوينية بعصمتهم بعد هذا التزويد والتجهيز.
قم - جعفر السبحاني