دراسات فقهية في مسائل خلافية - الشيخ نجم الدين الطبسي - الصفحة ٦٥
إذن لم يكن النهي صادرا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل صدر عن الخليفة، وإلا فلا خصوصية لعهد دون عهد، طالما هي منسوخة ومحرمة. نعم، إن الصحابة لم تكن تبرز رأيها خلاف اجتهاد عمر، خوفا من سوطه ودرته. كما كان أبو هريرة وغيره يخشى من نقل الحديث على عهد عمر بن الخطاب، حيث قال:
" ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قبض عمر، كنا نخاف السياط " (1).
وقال أيضا: " إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمن عمر لشج رأسي " (2).
تعليق الذهبي:
علق الذهبي على كلام أبي هريرة قائلا:
" هكذا هو كان عمر، يقول: أقلوا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث، وهذا مذهب لعمر ولغيره. فبالله عليك إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر كانوا يمنعون منه مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد " (3).
إذن عرفت أن المنع من المتعة كان مذهبا واجتهادا لعمر بن الخطاب، كما كان المنع من الحديث مذهبا خاصا له، لا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وللشرع. حيث إن الخليفة يمنع الحديث ممن هو صادق وعادل وسمع الحديث من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا واسطة. وهذا هو مذهب لعمر - كما قاله الذهبي -، فليكن منع الزواج الموقت - إن صح ما نسبوه إلى الخليفة - مذهب له خاصة.
الشاهد الثاني - تصريح جابر:
صرح جابر بن عبد الله الأنصاري بأن المنع لم يكن على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا على أبي بكر، بل صدر من عمر وعلى عهده.
قال جابر: " تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومع أبي بكر، فلما ولي عمر خطب الناس،

١. سير أعلام النبلاء ٢ / ٦٠٢، تأريخ دمشق ١٩ / ١١٧.
٢. سير أعلام النبلاء ٢ / ٦٠٢، تأريخ دمشق ١٩ / ١١٧.
٣. سير أعلام النبلاء ٢ / 602.
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»