دراسات فقهية في مسائل خلافية - الشيخ نجم الدين الطبسي - الصفحة ٦٢
ثالثا: يصرح الشوكاني بأن طائفة من الصحابة تخالف الرأي بالتحريم، وترى الحلية، ولكنه مع ذلك يتركهم لحديث يراه صحيحا، وإن كان مخالفا لأحاديث وأقوال جمع من الصحابة الذين نسبوا الجواز إلى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو تقريره.
ثم إن المتتبع لأحوال هؤلاء الصحابة وموقعهم العلمي والاجتماعي، حينما ينظر إلى كلام الشوكاني بأنه لم يبلغهم النسخ!! تراه يقف موقف المتحير المتعجب من زعمه وزعم من يحذو حذوه.
إذ إن من هؤلاء الصحابة من كان مفتي المدينة والمرجع للأحكام الشرعية، ومنهم من هو جامع القرآن وكاتب الوحي، ومنهم من هو الأعلم بكتاب الله والسنة النبوية، ومنهم من هو حبر الأمة وفقيه العصر، ولم يطمئن في مسألة حتى يسأل ثلاثين صحابيا وبعد ذلك ينسبها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف من كان بهذه الرتبة والمقام لم يطلع على النسخ!! ويصر على الحلية والجواز إلى آخر حياته!!؟
وأما التابعون ففيهم من لا نقاش في جلالته وهم يفتون بالحلية ويعملون بها، وهذا مما يثير الشبهة، بل يوجب الاطمئنان بأن القول بالحرمة هو رأي الخليفة عمر بن الخطاب واجتهاده - كما ستعرف -.
يكفينا في هذا المقام كلام الرازي قال: " الحجة الثالثة: ما روي أن عمر قال على المنبر: متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهما:
متعة الحج، ومتعة النكاح. وهذا منه تنصيص على أن متعة النكاح كانت موجودة في عهد الرسول، وقوله: " وأنا أنهى عنهما " يدل على أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نسخه، وإنما عمر هو الذي نسخه.
وإذا ثبت هذا فنقول: هذا الكلام يدل على أن حل المتعة كان ثابتا في عهد الرسول، وأنه ما نسخه وأنه ليس ناسخ إلا نسخ عمر. وإذا ثبت هذا وجب أن لا يصير منسوخا، لأن ما كان ثابتا في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وما نسخه الرسول 6، يمتنع أن يصير منسوخا بنسخ عمر، وهذا هو الحجة التي احتج بها عمران بن الحصين حيث قال: إن الله أنزل في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى، وأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»