دراسات فقهية في مسائل خلافية - الشيخ نجم الدين الطبسي - الصفحة ١٣٤
ولبس به على كثير من المقلدين والجهلة، والعوام، فإذا سمع هؤلاء النهي عن بدعة من البدع كانت الإجابة بأن هذه بدعة حسنة.
ومناقشة هذا القول، وبيان خطئه، ومنافاته للصواب:
أولا: القول بحسن بعض البدع مناقض للأدلة الشرعية الواردة في ذم عموم البدع، ذلك أن النصوص الذامة للبدعة والمحذرة منها جاءت مطلقة عامة، وعلى كثرتها لم يرد فيها استثناء البتة، ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو حسن مقبول عند الله، ولا جاء فيها: كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا، ولا شئ من هذه المعاني، ولو كانت هنالك محدثات تقتضي النظر الشرعي فيها أنها حسنة أو مشروعة، لذكر ذلك في نصوص الكتاب أو السنة، ولكنه لا يوجد ما يدل على ذلك بالمنطوق أو المفهوم، فدل ذلك على أن أدلة الذم بأسرها متضافرة، على أن القاعدة الكلية في ذم البدع لا يمكن أن يخرج عن مقتضاها فرد من الأفراد... (1) ثانيا: من الثابت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في أوقات شتى وأحوال مختلفة، ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها العام المطلق. وأحاديث ذم البدع والتحذير منها من هذا القبيل، فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) يردد على ملأ المسلمين في أوقات وأحوال كثيرة ومتنوعة أن: " كل بدعة ضلالة ":
ولم يرد في آية ولا حديث ما يقيد أو يخصص هذا اللفظ المطلق العام. بل ولم يأت ما يفهم منه خلاف ظاهر هذه القاعدة الكلية، وهذا يدل دلالة واضحة على أن هذه القاعدة على عمومها وإطلاقها.
ثالثا: عند النظر في أقوال وأحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم، نجد أنهم مجتمعون على ذم البدع وتقبيحها، والتنفير عنها، وقطع ذرائعها الموصلة إليها، وذم المتلبس بالبدعة، والمتسم بها، والتحذير من مجالسته وسماع أقواله، ولم يرد عنهم في ذلك توقف، ولا استثناء فهو بحسب الاستقراء إجماع ثابت

١. حقيقة البدعة وأحكامها ١ / ١٣٨ - انظر: الاعتصام ١ / ١٤١ - اقتضاء الصراط المستقيم ٢ / 588.
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»