دراسات فقهية في مسائل خلافية - الشيخ نجم الدين الطبسي - الصفحة ١٣٠
بذلك حيث قال: نعم البدعة.
يبقى سؤال يطرح نفسه وهو هل أن البدعة أقسام وأنها تنقسم إلى الأحكام الخمسة كما عن القسطلاني وابن عابدين، وأن البدعة على نوعين حسنة ومستقبحة، كما عن العيني، تبريرا لموقف الخليفة الثاني وقوله.
أم أن البدعة تساوي الضلالة والنار، كما ورد في الحديث الشريف وعليه الكثيرون، كالشاطبي وغيره.
أنصار الرأي الأول:
1 - قال القسطلاني: بعد قول عمر - نعم البدعة هذه: " وهي - أي البدعة - خمسة: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة، وحديث " كل بدعة ضلالة " من العام المخصوص، وقد رغب فيها عمر بقوله: نعم البدعة، وهي كلمة تجمع المحاسن كلها، كما أن بئس تجمع المساوئ كلها، وقيام شهر رمضان ليس بدعة، لأنه (صلى الله عليه وآله) قال:
اقتدوا (1)

١. لنا مناقشة في هذا الحديث سندا ومتنا فنقول:
أولا: لم يخرجه البخاري ولا مسلم في صحيحيهما، وقد ذهب غير واحد من أعلام القوم إلى عدم قبول ما لم يخرجه الشيخان من المناقب.
وكثيرون منهم إلى عدم صحة ما أعرض عنه أرباب الصحاح.
ثانيا: قد ورد هذا الحديث بطرق ستة، والعمدة فيه طريق حذيفة وابن مسعود. ولنركز النقاش على هذين الطريقين فنقول: إما طريق حذيفة: ففيه الضعاف والمجاهيل: إذ فيه: عبد الملك بن عمير وهو أولا مدلس ضعيف جدا، كثير الغلط، مضطرب الحديث جدا (تهذيب التهذيب ٦ / ٤٧ - ميزان الاعتدال ٢ / ٦٦٠ - تقريب التهذيب ١ / ٥٢١).
وهو الذي ذبح عبد الله بن يقطر، أو قيس بن مسهر رسول الحسين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة. فإنه لما رمي - بأمر ابن زياد - من فوق القصر وبقي به رمق، أتاه عبد الملك بن عمير، فذبحه فلما عيب ذلك عليه، قال: إنما أردت أن أريحه. (تلخيص الشافي ٣ / ٣٥ - روضة الواعظين / ١٧٧ - مقتل الحسين / ١٨٥).
ثانيا: لم يسمعه من ربعي بن خراش، ولا سمعه ربعي من حذيفة. انظر فيض القدير ٢ / ٥٦.
وفي السند: سالم بن العلاء المرادي وهو أيضا ضعيف، انظر: (ميزان الاعتدال ٢ / ١١٢ - الكاشف ١ / ٣٤٤ - الضعفاء الكبير ٣ / ٧٠).
وفي السند: عمرو بن هرم: وقد ضعفه القطان: انظر ميزان الاعتدال ٣ / ٢٩١.
وفي أكثر طرقه: مولى ربعي، وهو مجهول. انظر الأحكام ٢ / ٢٤٣.
أما الطريق الثاني: وهو طريق ابن مسعود:
ففيه: يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو ضعيف، انظر تهذيب الكمال ٢٠ / ١١٣ - الكاشف ٣ / ٢٥١، تهذيب التهذيب ١١ / ٢٢٥ - ميزان الاعتدال ٤ / ٢٥٤.
وفيه أيضا: إسماعيل بن يحيى، وهو متروك، ميزان الاعتدال ١ / ٢٥٤.
ولذا قد أعله كثير من أهل السنة: وإليك بعضهم:
١ - قال العقيلي: حديث منكر لا أصل له، الضعفاء الكبير ٤ / ٩٥.
٢ - وقال ابن حزم: حديث لا يصح، أصول الأحكام ٢ / ٢٤١.
٣ - وقال أيضا: ولو أننا نستجيز التدليس لاحتججنا بما روي: اقتدوا باللذين من بعدي، ولكنه لم يصح ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح. (الملل والنحل ٤ / ٨٨).
٤ - وقال البزار: لا يصح، فيض القدير ٢ / ٥٢.
٥ - وقال الترمذي: حديث غريب، ومسلمة يضعف في الحديث (الجامع الصحيح ٥ / ٦٣٠).
٦ - وقال الذهبي: سنده واه جدا، تلخيص المستدرك ٣ / ٧٥.
٧ - وقال ابن حجر: واه جدا. (لسان الميزان ١ / ١٨٨).
٨ - وقال الهروي: باطل. (الدر النضيد / ٩٧).
هذا أولا وثانيا: على فرض صحة الحديث، فهو صادر في واقعة خاصة: وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان سالكا بعض الطرق، وكان أبو بكر وعمر متأخرين عنه جائيين على عقبه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لبعض من سأله عن الطريق الذي سلكه في اتباعه واللحوق به: اقتدوا باللذين بعدي.
ثالثا: وقوع التحريف فيه: وذلك لأن هذا الحديث روي بالنصب أي جاء بلفظ: " أبا بكر وعمر ". فهما مناديين مأمورين بالاقتداء (تلخيص الشافي ٣ / ٣٥).
ومعناه: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر المسلمين عامة بقوله: اقتدوا مع تخصيص لأبي بكر وعمر بن الخطاب أمرهم بالاقتداء باللذين من بعده وهما الكتاب والعترة. وهما ثقلاه، اللذان طالما أمر (صلى الله عليه وآله) بالاقتداء والتمسك والاعتصام بهما. (المختصر في أخبار البشر ١ / ١٥٦).
رابعا: للحديث تكملة وهي: واهتدوا بهدى عمار وسيرته وهداه معروف: وهو الذي قال: يوم بويع عثمان: يا معشر قريش أما إذا صدفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرة وهاهنا مرة فما أنا بآمن من أن ينزعه الله، فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله. (مروج الذهب ٢ / ٣٤٢). انظر: الغدير ٥ / 552 - تراثنا العدد 52 / ص 15.
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»