أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه، فذكرنا له ما رأينا من ختوره في اليوم الأول وطيب نفسه في اليوم الثاني، فقال: إنكم أتيتكم في اليوم الأول وقد بقي عندي من مال الصدقة ديناران فكان ما رأيتم من ختوري لك، وأتيتم في اليوم الثاني فقد وجهتهما فذاك الذي رأيتم من طيب نفسي، أشير عليك أن لا تأخذ من هذا الفضل شيئا وأن تفضه على فقراء المسلمين " فقال عمر: صدقت والله لأشكرن لك الأولى والأخيرة (1).
الخامس والعشرون: ابن أبي الحديد أيضا في الشرح قال: حدثني الحسين بن محمد بن السيبي قال: قرأت على ظهر كتاب أن عمر نزلت به نازلة فقام لها وقعد وتنوح وتفطر فقال لمن عنده:
معاشر الحاضرين ما تقولون في هذا الأمر؟
فقالوا: يا أمير المؤمنين أنت المفزع والمترع، فغضب وقال: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، ثم قال: أما والله إني وإياكم لنعلم أين نجدها والخبير بها، قالوا كأنك أردت ابن أبي طالب قال: وأنى يعدل به عنه، وهل طفحت حرة بمثله قالوا: فلو دعوت به يا أمير المؤمنين قال:
هيهات أن هناك شمخا من هاشم وأثرة من علم ولحمة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤتى ولا يأتي فامضوا بنا إليه، فقصدوا نحوه وأفضوا إليه فألفوه في حايط له عليه تبان وهو متوك على مسحاة ويقرأ:
" * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) * (2) " إلى آخر السورة ودموعه تهمي على خديه فدهش الناس لبكائه فبكوا ثم سكت فسكتوا، فسأله عمر عن تلك الواقعة فأصدر جوابها فقال عمر: أما والله لقد أرادك الحق ولكن أبى قومك فقال: " يا أبا حفص اخفض عليك من هنا ومن هنا، إن يوم الفصل كان ميقاتا " فوضع عمر إحدى يديه على الأخرى وطرق إلى الأرض كأنما ينظر في رماد (3).
السادس والعشرون: ابن أبي الحديد في الشرح قال: حدثنا عمر بن سعد العيسى عن النضر بن صالح قال: كنت مع شريح بن هاني في غزوة سجستان فحدثني أن عليا (عليه السلام) أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص وقال له: " قل لعمرو إذا لقيته: إن عليا يقول لك: إن أفضل الخلق عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه، وإن أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحب إليه وإن زاده، والله يا عمرو إنك لتعلم أين موضع الحق فلم تتجاهل؟ أبأن أوتيت طعما يسيرا صرت لله ولأوليائه عدوا؟ فكأنما قد أوتيت ذاك عنك فلا تكن للخائنين خصيما ولا للظالمين ظهيرا، أما إني أعلم أن يومك الذي أنت فيه نادم وهو يوم وفاتك، وسوف تتمنى أنك لم تظهر لي عداوة ولم