الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ٥٢
فأما قوله: " إن التعلق بالاستخلاف على المدينة خارج عن الاستدلال بالخبر " فصحيح وقد ذكرنا فيما مضى أنه لا نسبة بين الأمرين، وعجبنا من إيراده ذلك في جملة ما حكاه عن أصحابنا من الطرق في الاستدلال بالخبر.
فإن قيل: فقد ذكرتم أن التعلق بالاستخلاف على المدينة طريقة معتمدة لأصحابكم فبينوا وجه الاستدلال بها.
قلنا: الوجه في دلالتها أنه قد ثبت استخلاف النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام لما توجه إلى غزوة تبوك ولم يثبت عزله عن هذه الولاية يقول من الرسول صلى الله عليه وآله، ولا دليل، فوجب أن يكون الإمام بعد وفاته لأن حاله لم يتغير.
فإن قيل: ما أنكرتم من أن يكون رجوع النبي إلى المدينة يقتضي عزله وإن لم يقع العزل بالقول.
قلنا: إن الرجوع ليس بعزل عن الولاية في عادة ولا عرف، وكيف يكون العود من الغيبة عزلا أو مقتضيا للعزل؟ وقد يجتمع الخليفة والمستخلف في البلد الواحد ولا ينفي حضوره الخلافة له، وإنما يثبت في بعض الأحوال العزل بعود المستخلف إذا كان قد علمنا أن الاستخلاف تعلق بحال الغيبة دون غيرها فيكون الغيبة كالشرط فيه ولم يعلم مثل ذلك في استخلاف أمير المؤمنين.
فإن عارض معارض بمن روى أن النبي صلى الله عليه وآله استخلفه كمعاذ (1) وابن أم مكتوم وغيرهما، فالجواب عنه قد تقدم، وهو أن

(1) يريد معاذ بن جبل والمعروف أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انصرف من مكة سنة 8 استعمل على مكة عتاب بن أسيد وخلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس سيرة ابن هشام 4 / 143) ثم بعثه إلى اليمن (سيرة ابن هشام 4 / 237) وابن أم مكتوم استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله على المدينة في غزوة الفرع بضمتين - من نجران وهي قرية من ناحية المدينة (سيرة ابن هشام 1 / 50) واستعمله على الصلاة في غزوة أحد (سيرة ابن هشام 3 / 68) واستعمله على الصلاة لما خرج إلى بدر ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة (سيرة ابن هشام 3 / 293) وفي غزوة ذي قرد (سيرة ابن هشام 3 / 297) وقد تقدم ذكره.
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»