على أن الظاهر الذي لا يمكن أن يدفع أن القوم الذين سماهم وزعم أنهم كانوا يواجهونه بالخلاف والإنكار إنما كانوا يفتخرون عليه في النسب وما جرى مجراه، وكانت تجري بين القوم مفاضلة ومفاخرة لا ذكر للإمامة فيها وما كان ذلك إلا بتعرض من معاوية له وأنه كان رجلا عريضا (1) يريد أن يتحدث عنه بالحلم، وكان دائبا يتحكك (2) بمن يعلم أنه لا يتحمله حتى يرد منه من الكلام ما يغضي عليه ويعرض عنه فيكون ذلك داعيا إلى وصفه بالحلم، وما كان في جميع من ذكره ممن كان قابله بغليظ الكلام وشديده إلا من يخاطبه بإمرة المؤمنين في الحال، ويأخذ عطاءه ويتعرض لجوائزه ونوافله، فأي إنكار كان مع ما ذكرناه؟
فأما ما اعتمده في جواب معارضة من عارضه بالاجماع على قتل عثمان من ذكر فليس الغلبة بأكثر من استيلاء الجمع الكثير تخشى سطوتهم، وتخاف بادرتهم وهذه كانت حال من عقد الإمامة لأبي بكر لأن أكثر الأمة تولاها ومال إليها، واعتقد أنه السنة وما يخالفها البدعة، فأي غلبة هي أوضح مما ذكرناه؟ وكيف يدعي الغلبة في قتل عثمان وعندهم إن الذين تولوا قتله وباشروا حربه نفر من أهل مصر، التف بهم قوم أوباش من أهل المدينة ممن يريد الفتنة، ويكره الجماعة وأن أكابر المسلمين ووجوه الأنصار والمهاجرين، - وهم أكثر أهل المدينة وعليهم مدار أمرها، وبهم يتم الحل والعقد فيها -، كانوا لذلك كارهين، وعلى من أتاه منكرين، فأي غلبة تكون من القليل على الكثير، والصغير على الكبير لولا أن أصحابنا (3) يدفعون الكلام في الإمامة بما سنح وعرض من غير فكر