الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ٢٧٠
وإن الطريق إليها من جهتهم عرفوه، وبهدايتهم سلكوه، ومما يبين صحة ما ذكرناه ما روي عنه عليه السلام من قوله في أيام ولايته: (والله لو ثني لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم حتى يزهر (1) كل كتاب ويقول: يا رب إن عليا قضى بقضائك) وقوله عليه السلام لقضاته وقد سألوه بماذا نحكم فقال عليه السلام: (أحكموا بما كنتم تحكمون حتى يكون الناس على جماعة أو أموت كما مات أصحابي) يعني عليه السلام بذلك من تقدمت وفاته من شيعته كأبي ذر وغيره، وقد بين أمير المؤمنين عليه السلام جملة ما ذكرناه في كلامه المشهور حيث يقول:
(والله لولا حضور الناصر ولزوم الحجة وما أخذ الله على أولياء العهد ألا يقروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولوجدتم دنياكم عندي أهون من عفطة عنز) (2) وإنما أراد أني كنت استعمل في آخر الأمر من التخلي منه والاعتزال ما استعملته في أوله فإن قيل: فإذا كان عليه السلام لم يغير أحكامهم للتقية فيجب أن تكون ممضاة جارية مجرى الصحيح في وقوع التملك بها وغيره من الأحكام.
قلنا: لا شك في إنما إذا لم يغير بسبب موجب للامضاء فإن أحكامها

(1) يزهو خ ل.
(2) هذه الفقرة هي الأخيرة من خطبته عليه السلام المعروفة بالشقشقية وهي في " نهج البلاغة " هكذا: " أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم عندي أهون من عفطة عنز) ويعني عليه السلام بالحاضر: من حضر لبيعته، وبالناصر:
الجيش الذي يستعين به، والكظة امتلاء البطن من الطعام، والسغب: شدة الجوع، ويريد أنهم لا يقاروا الظالم على استثاره بالفئ وأكله الحرام والغارب: الكاهل، والكلام تمثيل للترك والارسال.
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 » »»