وأما قوله: " إن إلزام الحكم آكد من الفتيا " فلقائل أن يقول:
أليس الحاكم عندك قد يكون حاكما في أشياء كثيرة من الشريعة، وإن لم يعلمها، بأن يرجع إلى من يعلمها فيستفتيه ويباحثه، ولا يجوز لأحد أن ينتصب للفتيا فيما لا يعلمه، ويرجع في معرفته إلى غيره، بل لا يجوز له أن يفتي بما يستفتى فيه غيره وإن جاز أن يحكم بما يستفتي فيه غيره، ولم يقتض ذلك تأكد حكم الفتيا على القضاء، وتولي الأحكام فألا جاز ما ألزمناك إياه من أن يكون الإمام والحاكم من غير أهل الاجتهاد، وإن لم يجز في المفتي أن يكون بهذه الصفة؟ فإن منع مما ألزمناه تأكد الحكم على الفتيا منع مما حكيناه عنك، وإن جوز أحد الأمرين جوز الآخر.
فأما ادعاؤه ثبوت إمامة من قصر في العلم عن غيره، فمبني على ما لم يصح ولا يصح، وسنتكلم على ما أحال عليه بعون الله ومشيئته، وأحد ما يدل على بطلان إمامة من ذكره تقصيره في العلم عن غيره، واعترافه على نفسه بالخلو عن معرفة كثير من الأحكام، وتوقفه فيها ورجوعه إلى غيره في إصابتها، والكلام في ذلك يجيئ في مواضعه.
فأما قوله: بعد كلام لا فائدة في حكايته لأنه كالتفريع على مذهبه:
" وبعد فإن الذي يقوم به الإمام هو الذي يقوم به الأمراء، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يولي الأمراء والعمال على النواحي إذا عرفوا من العلم القدر الذي ذكرناه فلا وجه للقول بالحاجة إلى زيادة عليه،... " (1) فقد تقدم فيما مضى الكلام على هذا المعنى، وبينا أنه لا يجوز أن يتولى الحكم في شئ من لا يعلمه سواء كان إماما أو أميرا وإن الأمير إنما لم يجب فيه العلم بجميع أحكام الحوادث حتى يكون مساويا