الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ١٧٩
المفضول على الفاضل، لأن ذلك لو جاز أن يكون علة لجاز أن يقدم من كان قليل العلم نزر المعرفة (1) بالأحكام، إلا أن حاله منتشرة عند العامة على الأفضل في العلم المبرز في العلم بالأحكام، فلما كان لا اعتبار بما عند العامة، وما يظهر لهم في باب العلم لم يكن أيضا بما عندهم اعتبار في باب الفضل، وهذا إنما يصح أن يراعيه ويجعله علة من يذهب إلى أن نصب الإمام باختيار الأمة، فتعتبر في صفاته ما يظهر لها، فأما على المذهب الصحيح الذي دللنا فيما تقدم عليه من أن الإمامة لا تكون إلا بنص الله تعالى فلا يجب اعتبار ذلك.
فأما الاستنامة والسكون والانقياد للمفضول، والانحراف عن الفاضل، والنفور عن ولايته فليس يجوز أن يكون علة في تقديم المفضول وتأخير الفاضل لأن الاستنامة والسكون إذا كانا إلى من لم تتكامل صفاته، أو من كان غيره أحق منه وأولى بالتقديم لم يكن بهما اعتبار، ألا ترى إن الناس لو سكنوا إلى الفاسق، ومن لا علم عنده بشئ من الأحكام، ونفروا عن العدل العالم بالأحكام لم يكن ذلك علة في تقديم الفاسق الجاهل، وتأخير العدل العالم، على أن صاحب الكتاب كأنه ناقض لهذا الموضع بقوله بعد هذا الفصل: " ولذلك قال شيخنا أبو علي: إن نفور الناس عن أمير المؤمنين عليه السلام لما كان منه من قتل الأقارب " لا يعد علة بها يقدم الغير عليه، لأن ذلك من عظيم مناقبه في الدين، وأقوى ما يدل على شدته في ذات الله تعالى.
قال: " وعلى هذا الوجه حمل ما ذكر من فظاظة عمر وحدته لأن ذلك كان في ذات الله تعالى وفي دينه، فما حل هذا المحل لا يجوز تقديم

(1) نزر المعرفة: قليلها.
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»