تجمع على وجوب خلع كل عاص، وإنما اعتقدوا وجوب خلع من أقدم على ما لا شبهة في مثله ولا انتظام لأمر الإمامة معه مثل أخذ الأموال وصرفها في غير وجوهها، وليس كل حدث يجري هذا المجرى، ألا ترى أنه ليس لأحد أن يعلل ما أجمعت الصحابة على استحقاق الخلع له من المعاصي بأن يقول لا علة لذلك إلا كونه معصية فيجب أن أخلع الإمام لكل معصية، وإن كانت معصية صغيرة، فلذلك ليس لأحد أن يجعل العلة فيما اقتضى الخلع كونه حدثا، تأمل.
قال صاحب الكتاب بعد أن أجاب عن سؤال لا يسأل عنه (فإن قال: إنما أسلم (1) أن الفسق الذي يتعلق بأفعال الجوارح يمنع من كونه إماما فمن أين أنه إذا كان متعلقا بمذهب وتأويل يمنع من الإمامة [وما أنكرتم أن الباغي إذا كان متأولا، وكذلك الخارجي لا يمنع كونهما إمامين؟] (2).
قيل له: إن الواجب علينا منع الباغي عن بغيه وتصرفه فيما يتصرف فيه، ومن حق الإمام أن يمنع غيره، ولا يمنع، وأن تلزم طاعته، فكيف يصح كون من هذه حاله إماما، ولأن الأمير إذا ظهر منه البغي وجب على الإمام أن يعزله ويمنعه من البغي، وكذلك يجب على المسلمين إزالة الباغي عن بغيه، ويلزمهم إقامة الإمام، وذلك يمنع فيمن هذه حاله أن يكون إماما، ولأن إقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام، لا يجوز أن يقوم به كل أحد، فلا بد فيمن يقوم به من صفة مخصوصة، وقد ثبت إذا كان عدلا وعلى الصفات التي نقولها أن قيامه بذلك يصح ولم يثبت ذلك في الباغي، فيجب أن يكون حاله كحال سائر الناس،...) (3).