يكن بعض العلوم بأن يعتبر أولى من بعض، وذلك يوجب كونه عالما بسائر اللغات، وسائر الحرف وغير ذلك،... " (1). فقد أصاب في أن ما لا تعلق له بما يقوم به الإمام لا يجب أن يعلمه، إلا أنه ظن علينا أنا نوجب هذا الجنس من العلوم، فلهذا أتبع كلامه بالحكاية عنا إيجاب كونه عالما بما جرى مجرى الغيب ومعاذ الله أن نوجب له من العلوم إلا ما تقتضيه ولايته، ويوجبه ما وليه، وأسند إليه من الأحكام الشرعية، وعلم الغيب خارج عن هذا.
فأما قوله: " فيجب أن يكون عالما أو في حكم العالم بما يتصل بالأحكام والشرائع، يبين ذلك أن الحاكم يقوم بالأمور التي يقوم هو بها، فإذا لم يعتبر في الحاكم إلا ما ذكرناه فكذلك القول في الإمام، وبعد، فلا يخلو إذا قال المخالف إنه يجب أن يعلم أكثر مما ذكرناه، وأن يوجب في كونه عالما أن يستقل بنفسه، وأن لا يحتاج إلى غيره في شئ من الأحكام، أو يجوز ذلك فيه، فإن منعه لزمه أن يعلم كل ما يتصل بالأحكام من القيم والأروش (2) وما يتصل بالصناعات وبطلان ذلك يبين جواز رجوعه إلى غيره " فقد تقدم الكلام على هذا ونظائره من كلامه لأن معنى قوله (أن يكون في حكم العالم هو أن يكون متمكنا من العلم) وقد بينا أن التمكن من العلم لا يحسن ولاية الشئ من لا يعلمه.
فأما حمله الإمام في هذا الباب على الحاكم فقد مضى الكلام أيضا فيه وبينا أن كلا الأمرين واحد في هذه القضية، وأن الحاكم لا يجوز أن يولى الحكم فيما لا يعلمه على وجه ولا سبب، وأن كل شئ لم يعلمه الحاكم المنصوب للأحكام فهو خارج عن ولايته، ومستثنى به عليه، ويجب متى عرض ما لا يعلمه من الأحكام أن لا يقدم على الحكم فيه،