مطلوبا على أن من ذهب إلى هذا المذهب لا يقول: إن الفضل يقدح فيه الفسق، سواء كان بتأويل أو بغير تأويل لأن الأعمال عنده لا تتحابط ولا المستحق (1) عليها من ثواب وعقاب.
فأما قولك: " إن الواجب علينا أن لا نقيم الأحكام من تأديب وغيره على من يقدم على الفسق المتأول كما نقيم الحدود على من يفعل من الفسق ما يقتضيها " فقد تقدم أن من أجاز ما ذكرناه لا يجيز كون الإمام فاسقا بما يتعلق بأفعال الجوارح، ويوجب إقامة الحدود، وإنما يجيز ذلك فيما يرجع إلى الاعتقادات والمذاهب، فإن أردت بالأحكام التي نقيمها عليه الحدود وما أشبههما فقد أفسدناه، وإن أردت الاستدعاء والوعظ وما أشبهها فقد يجوز أن يستعمل مثل ذلك مع الإمام، ولا تكون إمامته مانعة منه، وكيف يمتنع من ذلك من يجيز أن توقف الأمة الإمام وتعلمه وتفيده العلم بالأحكام، وتناظره فيها وتحاجه، ويرجع إلى أقوالها بعد أن كان أفتى بخلافها.
فأما ما حكيته في آخر الكلام من أن من خالفك في هذا الباب لا يجيز أن يختار للإمامة ابتداء من هذا حاله، وإنما يقول بإمامته إذا خرج وغلب واستولى، فهو تمن لا يكون المذهب على الوجه الذي يسهل عليك إفساده، ومن خالف فيما حكيناه فهو في الجملة ممن يقول إن الإمامة لا تنعقد إلا باختيار أو نص وأنه لا يكون إماما بالغلبة والقهر، وإنما لا يجيز أن يختار للإمامة من يعتقد اعتقادا فاسدا بالتأويل إذا كانت الحال حال سلامة، فأما إذا اضطرت الحال إليه ولم يوجد في العصر من